آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:06 م

أرامكو واعتذار الحضارات

مريم آل عبد العال *

ورد خبر منذ 6 سنوات عن اعتذار استراليا لسكانها الأصليين عن مظالمها طوال قرنين من الزمان، ولعلنا نستطيع أن نتعلم ونستنتج بنظرة موضوعية عن ماهية التحضر والحضارة.

فالحضارة هي الثقافة المكونة للمجتمع ومجموعة طرائق الحياة من الأساليب الحياتية وطرق التفكير والشعور والمعتقدات.

ونستطيع القول أن المجتمع يتم تمييزه بثلاث مصطلحات «الحضارة، المدنية والثقافة».. فينحو البعض من العلماء إلى إطلاق لفظ الحضارة والمدنية على حالة من الرقي والتقدم في حياة المجتمع بكاملها، أي المظاهر العقلية والأدبية بينما يطلق بعض العلماء لفظ الثقافة على المظاهر المادية في حين أن بعضهم الآخر يذهب إلى عكس ذلك.

إن الحضارة إذن هي مفهوم يصف مستوى رقي وتقدم المجتمع، ولتصف مجتمع بأنه يمثل الحضارة المتقدمة في مداراته لحقوقه، فهو لا يرتضي انتهاكها ويملك من القيم ما يدفعه لتصحيح أخطاء أسلافه حفاظاً وتمثيلاً لقيمه التي ستخَزن وتتناقل عبر التاريخ.

لذا ألم يأن لأرامكو «المتقدمة» أن تعتذر للقطيف لما أجرمته بحقها؟؟!!!..

فأرامكو التي تعتبر نفسها متقدمة لا تنكر فضل القطيف عليها لكنها تحاول أن تمتص روحها حتى آخر رمق!!..

• مارست امتيازها على الأراضي البيضاء في الساحل الشرقي ولكن في القطيف مارسته حتى على الأراضي المعمورة التي حملت الإنسان قبل أرامكو ب 5 آلاف سنة، فأيهما أقدم؟!!!. فخنقت الأهالي ما دفعهم للتمدد إلى جهة الشرق عبر ردم البحر وتدمير البيئة الساحلية من غابات المانجروف وقتل البقعة الزراعية ايضاً.

• كما قامت بسحب المياه الجوفية لاستخدامها في حقن آبار البترول حتى نضبت العيون ليبدأ مسلسل التصحر في واحة بقت لآلاف السنين لتقتلها أرامكو..

• وأسهمت غازات المصانع البترولية التابعة لها والتي تعتبر مسرطنة في تلويث هواء القطيف التي تعتبر اليوم من أعلى نسبة إصابة بالأمراض السرطانية..

• أرامكو لم تعوض القطيف حتى بالوظائف التي يعتبر أبناؤها هم الأولى بها عن غيرهم كونهم المتضرر الأول من أرامكو، بل جلبت البعيد وحرمت القريب من حقه!!..

تلك هي عقلية أرامكو وذهنيتها المتحضرة اتجاه أهالي القطيف «السكان الأصليين» فهاهي تطمس معالم الحضارات التي سكنت أرض القطيف بل وتُنسي الجيل الجديد تاريخه عبر ذلك، فهاهي تدمر البيئة بملوثاتها، وتمتاز على أراضي القطيف مما أدى لاختناق في الكثافة السكانية وتأزم صارخ وغيرها من أصناف المعاناة التي ألبستها إياهم إلباساً.

وفيما نسمع من مواقف بعض الحضارات وهي مواقف تدل على ذهنية متقدمة فنجد أمثلة كثيرة ولا يسعنا إلا أن نذكر منها ما يخدمنا هنا كاعتذار رئيس وزراء كندا ستيفن هارفر رسمياً للهنود الحمر بسبب قيام كندا بمحاولات لطمس هويتهم بإجبار 80 ألف طالب على ترك عائلاتهم حيث وضعوا في مدارس داخلية بهدف قطع الصلة بينهم وبين حضاراتهم وبالتالي القضاء على ما يسمونه الهنود الحمر، وقد قررت الحكومة الكندية دفع تعويضات مادية لهم حسب الاتفاق الذي أبرم بين الطرفين عام 2006.

كما قاد رئيس الوزراء الاسترالي كيفن راد اعتذاراً رسمياً يمثل الشعب الاسترالي وحكومته للسكان الأصليين لاستراليا الذين لاقوا خلال قرنين من الزمان وأكثر معاناة طويلة جراء الاستعمار الأوروبي لبلادهم حيث طبقت عليهم أسوأ مظاهر العنصرية ومبادئها والاستعباد وهم أصلاً أحرار، ولكن الاعتذار لم يكن كافياً لأنه لم يصحب بتعويض مادي يزيل عن «الجيل المسروق» بصمات المعاناة التي علقت بالأجساد قبل الذاكرة المجروحة.

رغم كل شيء، يبقى موقف الحكومة الأسترالية راقيا وإنسانيا جدا، وبلا شك سيصل لخاتمة مرضية بتعويض مادي للجيل المسروق، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، لكن يبقى أن يقتدي الآخرون ويبدأوا التفكير في التقدم خطوة في هذا المشوار الطويل، نحو الإنسانية..

فهل لأرامكو موقف اعتذار!!

اعتذروا واعترفوا للقطيف..!!

** استراليا تعتذر لسكانها الأصليين
http://www.alriyadh.com/317616
كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد