«37» حول مفهوم ”الحاكمية“
أما دعوة سيد قطب فقد أثارت جدلا كثيرا، لأنها جاءت في سياق انكار صلاح المجتمع وايمانه. وقد اخذ عليه ناقدوه تشدده في القول بجاهلية المجتمع الذي لا يعمل على أسلمة مؤسساته وحكومته. واثارت الفكرة حماسة شباب الاخوان المسلمين حتى اعتبروا سيد قطب ملهمهم الرئيس، وبعد اعدامه في 1966 أصبح الايمان بالفكرة مثل مؤشر على التوجهات السياسية للاخوان، رغم انها بقيت نظرية منفصلة، لم يحولها أحد الى خلفية لبرنامج سياسي يمكن طرحه على الجمهور.
اما نخبة الاخوان وكبار الجماعة فقد كانوا أميل الى رفض الفكرة. ونشر مرشد الجماعة حسن الهضيبي كتابا بعنوان ”دعاة لا قضاة“ كرسه لاقناع اعضائها بالتبرؤ من محمولات الفكرة وتداعياتها. كما ان عددا كبيرا من شخصيات الجماعة اعلنوا صراحة رفضهم لها، ونسبها بعضهم الى ما اسماه الشيخ يوسف القرضاوي ”فقه المحنة“ الذي يصدر عن حالة انفعال بظروف العسر وليس عن موقف قطعي أو طويل الأمد.
فكرة ”الخلافة“ التي تبناها ”حزب التحرير الاسلامي“ لم تثر اهتماما كبيرا. لأن الحزب نفسه بقي هامشيا وغير ذي تأثير بارز في الحياة العامة. لكن الجدل الكبير الذي أثارته، يرجع الى عام 2014 حين تبناها وأعلن قيامها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ”داعش“. لكن ليس من المرجح ان يكون للفكرة شأن على المدى الطويل، لأن التنظيم شوه صورتها بالمذابح التي أقامها والفضائع التي ارتكبها في كل مدينة سيطر عليها، في سوريا والعراق، فضلا عن عمليات القتل الواسعة التي قام بها ضد مدنيين في دول عديدة، لاسيما خلال عام 2015.
ان أبرز المؤاخذات على الشروحات التي قدمها سيد قطب، تتمثل في المفاصلة الحادة بين القائلين بحكم الله وسائر الناس، واعتباره كل قانون غير الشريعة باطلا، وان طاعته نوع من الشرك أو الجاهلية. بالمقارنة فان د. حسن الترابي، وهو من مؤسسي تيار الاخوان المسلمين في السودان، يقدم تفسيرا مفارقا لفكرة الحاكمية، حيث يعتبر حاكمية الله في المجال السياسي، منصرفة الى تمكين إرادة الأمة التي تصنع القانون وتقيم الدولة، وتعبر عن قيمها الدينية من خلال المؤسسات الدستورية والسياسية. وهو يعتبر ان هذا هو المقصود الاصلي بالاجماع المصنف في أصول الفقه كأحد مصادر التشريع. وأجد ان فكرة الترابي تحاكي في جوانب ملفتة فكرة الدولة المدنية الحديثة.