«41» هل نحتاج الى المزيد من النظريات الدينية
فيما يخص نظرية ولاية الفقيه، فهناك بالفعل نقاش واسع حول الموضوع، في مجامع العلم الديني، لا سيما في إيران. وهناك أطروحات مختلفة، بعضها ينطلق من نفس الأساس الفلسفي أو الفقهي لولاية الفقيه، ويقترح صيغا أرقى من الصيغة الحالية للنظرية. وبعضها ينكر جدوى ولاية الفقيه وقابليتها للاشتغال في الدولة الحديثة.
في اعتقادي ان الدين الإسلامي يتسع لأكثر من نظرية وأكثر من ممارسة سياسية. وعلينا أن نسعى لاكتشاف الإمكانات التي يتيحها النص الديني والعقل الجمعي للمسلمين في كل عصر. وطريقنا في ذلك هو الاجتهاد بمفهومه الواسع. وقد عرضت في الكتاب المراحل المختلفة التي مر بها التفكير الفقهي في مسألة السلطة، حتى وصوله إلى مرحلة ولاية الفقيه. نعلم ان النظرية لم تصبح مشهورة قبل الربع الاخير من القرن العشرين، ولم تظهر اصلا في النقاشات العلمية قبل القرن السابع الهجري «الثالث عشر الميلادي»، حتى في ابسط صيغها. لكن الاهتمام بها اتسع لاحقا، حتى اصبحت احد الأجوبة المحورية على سؤال السلطة في الفقه الشيعي. بديهي ان ظهورها واتساع الاهتمام بها، كان ثمرة لتزايد الاسئلة وتوسع البحوث الفقهية تبعا له.
لهذا، وعلى المنوال نفسه، فالمتوقع ان يؤدي تطبيق النظرية في نظام سياسي، الى ظهور اسئلة جديدة واشكالات لم تنكشف قبل ذلك. هذه - كما قلت - طبيعة العلم. ومثلما حلت هذه النظرية محل غيرها، فسوف يأتي المستقبل بغيرها في محلها. نظام القيادة السياسية وأرضيته الفلسفية ليس من الثوابت الدينية، بل هو انعكاس لحاجات المجتمع وتطلعاته ومستواه الثقافي ونوعية التحديات المتوجهة إليه. ومع تغير هذه فلا بد أن تتغير مفعولاتها.
لا بد هنا من الرد على المحاولات الهادفة لرفع النظرية من مستوى الفقه الى مستوى العقائد. اي اعتبارها من قطعيات الدين أو ثوابت الشريعة. هذه المحاولات دافعها سياسي محض ولا أهمية لها في الحقل العلمي. ”ولاية الفقيه“ ليست أكثر من رأي فقهي ولد نتيجة لاجتهاد الفقهاء، وأدلتها ومبرراتها لا تخرج عن هذا السياق. ولهذا فهي، مثل اي نظرية فقهية أخرى، قابلة للنقد والنقض والتعديل والمحاججة. وليس لهذا أي أثر سلبي على الشريعة. ولا ينبغي ان يثير أي قلق.
لكن الرؤية العامة التي بنى عليها المرحوم رأيه، لا تختلف عن المباني المعروفة لولاية الفقيه. فهو مثلا يسلم بان السلطة العليا في الدولة حق خاص للفقيه، وان الفقيه يحكم برأيه ولا يلتزم بالدستور الذي يمثل نوعا من العقد بين الحاكم والمواطنين. كما لا يعتبر الفقيه ممثلا للشعب او وكيلا عنه، بل حاكما بموجب نيابته عن المعصوم. وقد ناقشت هذه المباني جميعا في فصول الكتاب. وأرى انها غير صالحة.