«53» الديمقراطية الدينية
مع قيام الدولة الحديثة، لم يعد الحاكم محورا للنقاش. نحن نتحدث اليوم عن الدولة والحكومة ككينونة مستقلة عن شخص الحاكم. ما يهمنا اليوم هو النظام السياسي، الفلسفة التي يقوم عليها، وتكوين القوة في داخله، مصدر الشرعية السياسية وعلاقة المجتمع بالحكومة.
بعبارة موجزة، نحن نتحدث عن مؤسسة عامة، وليس عن اشخاص. فكرة ان الدولة مؤسسة، غير موجودة في التراث السياسي الاسلامي. لهذا فعندما يتكلمون عن الديمقراطية يجدونها غريبة، لان الديمقراطية مبدأ قابل للتطبيق على مؤسسة في منظومة اجتماعية كبيرة اسمها المجتمع السياسي.
من هنا فاني لا أرى فائدة من الجدل حول أسئلة من نوع: هل الاسلام يقبل الديمقراطية ام لا. هذا جدل لا طائل منه، لاننا نتحدث عن منظومتين مختلفتين. السؤال الصحيح هو: هل نستطيع ابتكار مؤسسة سياسية جديدة تنتمي الينا كمسلمين، تنتمي الى عصرنا، الى افكارنا وتطلعاتنا؟. الجواب نعم نحن نستطيع ذلك، وستكون اسلامية، ستكون مقبولة في الاسلام. عند ذاك هل نستطيع ان نختار مبدأ الديمقراطية؟، مبدا الحرية كفلسفة عمل لتلك المؤسسة او كهدف لها؟. جوابي: نعم نستطيع.
للمناسبة فاني مهتم بهذه بفكرة الشراكة في تراب الوطن على وجه الخصوص، لأني وجدتها مفتاح العلاقة بين الاسلام والديمقراطية، او القاعدة الاساسية في تركيب مفهوم ”الديمقراطية الدينية“ الذي أدعو إليه. كنت قد درست بتوسع مفهوم ”الخراج“ - المال العام في الاصطلاح الحديث - وأحكامه عند الفقهاء القدامى والمعاصرين، فوجدتهم متفقين تقريبا على كونه ملكا لعامة المسلمين ومن يقيم معهم، وانه ينفق حصرا في مصلحتهم. لكن الفقهاء لم يذهبوا الى المرحلة التالية، أي ما يترتب على دعوى الملكية هذه من حقوق، سيما لجهة من يدير هذا المال وكيف يديره. بين الاستثناءات في هذا المجال اذكر العلامة الميرزا محمد حسين النائيني الذي تحدث صراحة عن المشاركة السياسية لعامة الشعب باعتبارها من لوازم ملكيته لأرض وطنه.
زبدة القول ان ملكية المجتمع للمال العام محل اتفاق بين فقهاء المسلمين وغيرهم، وهي عند القانونيين وفلاسفة السياسة المعاصرين، المصدر الأول لحق المجتمع في المشاركة السياسية، بما فيها تعيين الحكومة وتفويض السلطة ومحاسبتها.