«63» تحول ذهني ام مخادعة
هذا ليس انتهازية. بل هو المنطق الطبيعي، منطق الحياة، في الدين وفي السياسة والعلم، وكل جانب آخر من جوانب الحياة. لأن نقاط الاستقطاب تجبر الناس على تغيير مواقفهم.
هذا المسار لا يوصف بالانتهازية، بل هو تطور ذهني - ثقافي طبيعي، يحصل دائما، عند جميع الناس. الافكار تتغير بتأثير الواقع، بقدر ما تسهم في تغيير الواقع. حين يتغير الواقع تتغير الاسئلة وتتغير الموضوعات، وتبعا لها، تصورات الناس عن انفسهم وعن الواقع المحيط بهم. لا فرق في هذا بين عالم دين وعالم هندسة او طبيب أو أديب أو رجل سياسة.
يهمني في هذا الصدد الاشارة الى عاملين يلعبان في رايي دورا مؤثرا في تحديد توجهات رجال الدين الشباب. يتعلق العامل الاول بجمهور المخاطبين ويتعلق الثاني باقرار المكانة الاجتماعية. يميل رجال الدين الشباب الى التركيز على الشباب في خطابهم، لأنهم الاقرب اليهم نفسيا، ولأن الفوز بولائهم يعتبر انجازا معتبرا في الوسط الديني، يكرس مكانة رجال الدين الجدد بين النخبة.
حصول رجل الدين على قبول شعبي ملحوظ، يمنحه مكانة اجتماعية. لكنه لا يعطيه الاستقلال الضروري للتحول من موجه الى زعيم. هذه الخطوة رهن باعتراف كبار رجال الدين بقدراته العلمية.
في المرحلة الاولى يميل رجل الدين الى طرح خطاب لين متسامح ويحاكي لغة الشباب وهمومهم. أما في المرحلة الثانية، فهو يحتاج الى خطاب تقليدي، بلغة تراثية، ينسجم مع الخطاب المعتاد بين كبار رجال الدين ويحاكي انشغالاتهم. عرضت هذه المفارقة لتوضيح ”الحدود“ الفعلية لدور الجيل الجديد من رجال الدين. حيث اميل الى الاعتقاد انه دور مؤقت، يبدأ قريبا من الشباب، لكنه يميل - بعد فترة - للانسجام مع الاتجاه التقليدي النخبوي.
وللمناسبة فان هذا التحول يعتبر - في تقديري - احد العوامل المهمة، التي تتيح للجماعات الدينية المنظمة فرصة أكبر في الساحة، على حساب رجال الدين المستقلين والتيار التقليدي. لا تهتم الجماعات الدينية بنيل اعتراف من كبار رجال الدين، ولا تعتمد في صناعة نفوذها الاجتماعي على اقرارهم، بل على تمايز خطابها الديني وتمايز ادوات عملها وسط الجمهور. زبدة القول ان الجيل الجديد من رجال الدين اكثر قابلية للتلاؤم مع متطلبات الحداثة، لكن هذا ليس حكما عاما، ولا يمتد الى ما بعد تقدمهم في العمر، عدا - ربما - حالات معدودة.