«64» خداع الجمهور، فكرة استعلائية
هذان موضوعان مختلفان. سوف اتحدث عن الثاني لاحقا. لكن فيما يخص الأول، اي دعوى خداع الجمهور، فاني لا اتعاطف معها، حتى لو كانت صادقة في بعض الاحيان. لا أتعاطف معها لانها تصدر عن استهانة - عفوية او مقصودة - بعامة الناس، استهانة بعقولهم واستهانة بقدرتهم على تشخيص مصالحهم. وهو سلوك شائع للاسف بين نخبة المسلمين، قديما وحديثا.
اني مدرك لحقيقة ان الناس يتأثرون بالدعاية، وانهم ينخدعون. لكن أين هو المنزه عن هذا؟. ها نحن نرى فقهاء كبار وقادة سياسيين بارزين، يميلون مع الريح ويتأثرون بالاعلام، وقد يتخذون قرارات تؤثر على مصائر أمم، بناء على تقارير كاذبة أو بسبب الشحن العاطفي. هذا يحصل أمامنا كل يوم، في كل بلدان العالم. فلماذا نقبل هذا من النخبة ولا نقبله من العامة؟. اني لا اقول ان هذا شيء طيب او مطلوب، لكني أقول انه وضع طبيعي، يتعرض له عامة الناس ونخبتهم دون أدنى فرق.
لهذا السبب فاني لا أتعاطف مع قول من يقول ان استعمال الشعار الديني ينطوي على خداع للجمهور، ليس لأن الخداع مستحيل، بل لأني أنظر للانسان الفرد ككائن عاقل، مدرك لما يفعل ومسؤول - بصورة شخصية - عن قراراته وأفعاله وخياراته.
كان هذا نقاشا انتخابيا بين مرشح يتهيأ للانضمام الى النخبة، وبين اشخاص من عامة الناس. ويدور مثله بين الصحافة والمرشحين والوزراء والنواب وكل شخص يتولى منصبا في البلد.
علاج الخداع واضح إذن، وأختصره في ثلاث نقاط:
أ» العلنية وحرية الوصول الى المعلومات.
ب» التعددية وحرية المنافسة على المناصب العامة.
ت» حرية الصحافة.
اذا وضعنا هذه العلاجات الثلاث قيد التطبيق، فلن يكون ثمة فرق بين خداع باسم الدين او خداع باسم الايديولوجيا، او خداع باسم المصلحة او اي نوع اخر من انواع الخداع. اعتقد بعمق ان المخادعين موجودون دائما، في كل المجتمعات والظروف. وافضل ظرف للخداع هو هيمنة المخادع على المجال المحيط بالجمهور، بحيث لا يصل اليه سوى صوته، ولا يعرف أحدا سواه. حين تتاح الفرصة للاصوات الأخرى، فان كلا منها سيكشف عيوب الآخر، وهكذا ينفضح الخداع ويتعرى.
البعض يتحدث عن قداسة رجال الدين واتباع الناس لهم دون تبصر. وهذا صحيح لان المجال العام مغلق على غيرهم. القداسة المصطنعة تنمو في ظروف الجهل والانغلاق والاحادية السياسية او الثقافية او الدينية.