«68» الدولة المدنية واقع قائم وليست صورة متخيلة
نعلم ان هذا التصوير غير صحيح. من حيث المبدأ لا نستطيع القول ان الاسلاميين متفقون على معارضة الدولة المدنية. لأن صورة الدولة المدنية التي نتحدث عنها ليست هي بالضرورة الصورة الشائعة بين الاسلاميين السعوديين. بل استطيع الادعاء ان معظم هؤلاء لا يعرفون - بعمق - الصورة الشائعة في العالم ولا يتحدثون عنها. ونفس الكلام يقال عن تصويرات الطرف الثاني.
دعنا الآن نراجع رأي الاسلاميين في مجموع المسألة وفي بعض تفاصيلها. نعلم ان ايران وماليزيا وتركيا والمغرب وتونس والجزائر والكويت وباكستان والسودان والعراق واندونيسيا والبوسنة وافغانستان، تحكمها او تشارك في حكمها احزاب اسلامية. وقد وصلت تلك الاحزاب الى الحكم من خلال الاطر المدنية الديمقراطية، وهي ملتزمة بدستور وقانون البلد. اليس هذا دليل معقول على قبول الاسلاميين بمفهوم الدولة المدنية؟. وهل نتوقع ان يدعو أي من هذه الأحزاب للتخلي عن سيادة القانون أو الحريات المدنية مثلا؟.
المثال الايراني اكثر وضوحا في هذا المجال. حيث نجد ان معظم ما ينتقده اسلاميو السعودية على الدولة المدنية، قائم في إيران، في مستوى ابتدائي أو متقدم. من الانتخابات العامة، الى تشكيل الأحزاب، الى عمل المرأة الى التشريع بواسطة البرلمان، الى حرية ممارسة العبادات لغير المسلمين. فهل تصنف هذا كقبول بفكرة الدولة المدنية أم العكس؟.
أخيرا دعنا نأتي الى آراء الفقهاء. هل يقر الفقهاء بأن اراءهم قابلة للتغيير مع تغير الزمن والحاجات واكتشاف اسئلة وأدلة جديدة أم لا؟. هل يقبل الحركيون الاسلاميون بهذا ويمارسونه أم لا؟. هل حدث هذا التغيير خصوصا في رأيهم في قضايا سياسية أم لا؟.
طالما أنهم يقرون بامكانية الاجتهاد وإعادة الاجتهاد، فلسنا مضطرين لقبول الاراء التي ينقلونها من كتب الأسلاف. ومادام اليسر والتيسير معيارا في سلامة الحكم الشرعي فلسنا مضطرين للاقتصار على اراء بضعة مشايخ في المملكة وترك آراء المفكرين والفقهاء والحركيين وجمهور المسلمين في سائر البلدان، لا لسبب إلا لكون الأولى اكثر تشددا أو أعلى صوتا.
الموضوع محل النقاش اليوم هو التحول التدريجي الى الدولة المدنية، اي إقامة نظام اقتصادي حديث وعادل، إقرار المساواة، الفصل بين السلطات، سيادة القانون، المشاركة الشعبية، الحريات المدنية، وحقوق الانسان. أنا ادعو الى هذا لأني اراها تحقق روح الدين ورسالته، أي انها تقيم دولة مدنية ملتزمة بقيم الدين وأهدافه الكبرى.
لا نهتم كثيرا باحتجاجات المعارضين للدولة الدينية. لانها ليست مشروعا للتطبيق، بل مجرد موضوع للمناكفة السياسية. من ناحية أخرى، من ابرز قيم الحداثة التي تؤمن بها الليبرالية، ربط شرعية النظام السياسي بكونه ممثلا لارادة الشعب. واعتقد بعمق انه لو ترك الخيار للشعب فسيختار منهجا معتدلا، يحقق غايات الدولة الحديثة، ويلتزم في الوقت ذاته بقيم الاسلام الكبرى.