آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

المجتمع القطيفي.. وركلة للقيم البيئية

مريم آل عبد العال *

مامعنى أن تتأسس جمعية تعاونية زراعية في مدينة الدمام منذ 20 عاماً، وهي لا تمت للزراعة بصلة؟!

وما معنى أن تجاورها مدينة القطيف الزراعية وتكون عكسها تماماً في هذا الطابع البيئي والمكون الأبرز فيها، ولا توجد فيها جمعية زراعية واحدة؟!

هذا التساؤل قد يطرق في الأذهان فارق واضح وبعض العجب...

مجتمع الدمام غير الحَضري الأصل مقابل مجتمع القطيف الحَضَري الأصل، وجمعية هناك تهتم بالزراعة ولا جمعية هنا، بيئة صحراوية تستزرع وبيئة زراعية تصحّر.

هنالك مقارنات كثيرة تعرفنا على التكوين الفكري والحضاري لكلا المدينتين ”الدمام، والقطيف“ وبالفوارق الواضحة، وهي كفيلة بأن تكشف الكثير في مصلحة الجانب البيئي أو الزراعي على حد السواء. تعتبر الدمام في البدايات قبل أن تشب لتصبح مدينة بحجمها اليوم إحدى الهجر التابعة للقطيف، ولم تتوانى في تطورها العمراني بأن تكافئه في الجانب المنتقص لازدهارها بأن يكون للزراعة جمعية تعبر بها عن مسؤوليتها البيئية، وعلى عكس ذلك كانت القطيف رغم تذمرنا.

القطيف في الأربعين سنة الماضية كانت في علاقة عكسية مع زراعتها وركلات عدة لقيمها البيئية، لم يُلمس لها إنجازاً أو مبادرة جادة اتجاه المزارعين ومحاصيلهم تكفل ازدهاراً بعد ذبول، لترفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمزارعين، حيث البيئة الزراعية في تدهور بسبب الزحف العمراني ونفث الملوثات الصناعية وبطئ المعالجات من الجانب الرسمي، والجهات الرسمية تشتكي ضعف الوعي البيئي لدى المزارعين واهتمامهم بالعناية الحديثة وتوفيرها لديهم، مع افتقار الأسواق الخضرية للوعي التسويقي، وخلو القطيف من مصانع استثمارية لتعليب أو تغليف، أو مختبرات تطوير.

أليس من المخجل أن يصل بالقطيف لاحتياجها لجمعيات تعاونية زراعية تنعش الزراعة فيها وتوعي المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة، في حين أنه مجتمع ينبغي أن يكون قد تربى في هذه البيئة ونشأ فيها. ومن المؤسف أننا وصلنا إلى هذا الاحتياج، إلى الحاجة لتكاتف يعيد لنا القيم التي تجعلنا نتشبث بهوية القطيف الزراعية، في الوقت الذي صارت أغلب المدن بالمملكة التي نشأت من الصحراء عكسها، مهتمة.

المفكر مالك نبي الذي كتب عن مشكلات الحضارة كان ينبه إلى أن الحضارة ليست إلا ”الإنسان والتراب والوقت“ ولكي نبني مجتمع أفضل لابد أن يكون بالاهتمام بهذه المكونات الثلاث والتي منها تكون غاية الحضارات. إلا أن مكونات الحضارة تلك، نراها في القطيف قد تقهقرت، فالإنسان القطيفي كفر بتراب أرضه ودمرها خلال عقود معدودة.

يوصف المجتمع القطيفي اليوم بجحده للمكونات الثلاث تلك، فبالطبع كان لابد أن يكون الوعي البيئي عالياً لدى الفرد القطيفي وأن يكون تقدير الأراضي الزراعية ملموساً، وكل ذلك لابد أن يكون حافزه الوقتي حين تكون الجهود مكثفة في فترة زمنية متواصلة ليكون هنالك نتيجة. إلا أن كل ذلك لم يتوافر لدى أغلب المجتمع القطيفي والإسهاب في ذلك لا حاجة له هنا. حيث نرى الإنسان القطيفي يطالب بنفسه القضاء على البقعة الزراعية سعياً منه للتوسع العمراني، فأي حضارة آل إليها؟!!

فلن يكون هنالك تحضر في حين أن بساتيننا مهجورة ولونها الأخضر باهت، وحين لا يوجد مسؤولية اتجاه نظافة الكورنيش أو تلوث البيئة الزراعية، وحين لا توجد لفتة لذلك المزارع الكادح في بستانه من مجتمعه المحيط به.

تأسُس جمعية زراعية تعاونية بالدمام هو الأعجب، ليس لأن الإدارة العامة للشؤون الزراعية بالمنطقة الشرقية تنشأ على أرضها، بل لأن الفكر الحضاري لابد أن يُلمس على وجه المدينة، ويلفتنا لذلك المفكر مالك نبي إذ علينا أن نبني حضارة لا أن نكدس «أفراداً وآلات» فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة. وتُرجم ذلك المفهوم معكوساً في القطيف حيث استعمل الفرد القطيفي الآلات لتدمير بيئته لا لبنائها!!

إن مسؤولية المجتمع في توفير مصالح المدينة التي ينشأ فيها؛ متحتم على مخرجاته وحده كقيم تشحذ كل نفس بما يتأتى عليها من دور فاعل اتجاه ذلك. والمجتمع المتحضر الواعي لابد أن يصرف جهوده لأجل أن يكون في مصاف صحية وبنية اجتماعية سليمة. وذلك من أهداف التنمية المستدامة الحضارية في قرننا الحالي، ليس بحملات توعوية دعائية وقتية لا نراها تنعكس على ثقافة الزارع والمزروع. فالحضارة ثقافة، والثقافة سلوك.

كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد