آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

النيكوتين فارس الصعود أو الترجّل

ليالي الفرج * صحيفة الشرق

الطرافة لا تبعد عن سرديات العادة الاجتماعية، ومن ذلك بعض الحكايات والطقوس التي قد يمر بها غالبية المدخنين، ضمن ما يمكن أن يصنّف بأنه من أشهر أعراف التدخينيات؛ فأن يجد مدخن نفسه ماسكاً سيجارة التبغ في يده، لكن ورطة فَقد قدّاحة الإشعال تلجئه إلى أي مدخّن آخر من أي ثقافة أو بلد؛ وهذا ربما يكون من صور الاتصال التي جاءت بها ضرورة طلب الجسم للنيكوتين الذي يجري مجرى العروق، ويسقط لحظتها البروتوكول، إثر التزاحم مع الطارئ الذي لا فكاك منه.

هذه صورة واحدة لكنها ليست الأخيرة؛ إذ ثمة متوالية صورية لذات الأمر، تتشكل على خشبة المسرح التدخيني، ويتقاسم أدوارها هؤلاء الذين هم على المسرح مع أولئك الذين في مقاعد الجمهور. فهذه المرة صاحبنا الأول، وهو في أحد الأسواق الشعبية، في البلد الذي جاءه لمهمة عمل، نسي علبة التبغ في سيارة التاكسي التي أوصلته قبل دقائق. حينها، لم يجد مفرّاً سوى طلب المساعدة من أحد الموجودين في السوق؛ ليمنحه الآخر سيجارة تبغ محلي الصنع، ويخفف عنه عناء نقص النيكوتين في جسمه.

المزاج التدخيني يتوقع مثل هذه المواقف، لكن الحلول سهلة ما دام هناك مدخن آخر. وهذا تماماً ما يصرح به أحدهم؛ فيقول: أطلب سيجارة من أي شخص يحتمل أن يكون لديه ولو آخر ما لديه من تبغ، فلا مجال للاستسلام.

ولأدبيات التدخين والمدخنين فصول طويلة، تحتضنها الأمكنة، وتسجلها الذاكرة البصرية، ضمن مشاهد صار فيها أغلب المدخنين يتذرعون بقوة هذه العادة وصعوبة الانفكاك عنها. وصار كثير ممن لم يكن مدخناً قبلُ، رفيقاً يحذو حذو رفقائه بين جلسات المقاهي التي توفر الوسائل الشعبية للتدخين؛ مما أعطى تأثيرات على الفئات العمرية الصغرى لتنضم مع المدخنين لسنوات، وليركبوا القطار ذاته في العلاقة مع النيكوتين. والغريب في الأمر أن بعض الأطباء هم من المدخنين، وإن كانت نسبتهم قليلة جدّاً. وبعض أنواع التبغ منخفض النيكوتين يطلق عليها دخان الأطباء.

لكن ما هو محزن أن يدخن الأب بين أولاده، فتتحول العائلة إلى مدخنين سلبيين، أو يجمع مجلس أصدقاء مدخنين وغير مدخنين، ويكون الملتقى عامراً بالتبغ والشيشة، والأضرار لا تعد ولا تحصى بسبب المواد التي يتفق الجميع على خطورتها، لكن التهاون ينسي الوقاية والاحتراز والحذر.

وسبق أن توقعت بعض دراسات الوقاية من أضرار التبغ التي انضمت لها 41 بلداً في العالم، أن يمنع برنامج الوقاية المنفذ بين 2007 حتى 2010 وفاة نحو 7.4 مليون من غير البالغين في عام 2050 بسبب التدخين، فضلاً عن حمايتهم من الأمراض الأخرى التي يصاب بها المدخن. وحالياً يموت في العالم سنويّاً نحو 6 ملايين شخص من المدخنين، مع توقع ارتفاع هذا العدد إلى نحو 8 ملايين شخص سنويّاً عند عام 2030.

ومع قرب تنفيذ ضريبة السلع المنتقاة التي تطبق على السلع المتعلقة بالمنتجات الضارة، التي تم تحديدها في الدورة 36 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تم إقرار فرض الضرائب بنسبة 100% على التبغ ومشتقاته مع مشروبات الطاقة و50% على المشروبات الغازية، وهذا ما ترك مواقع التواصل الاجتماعي تنشط بالحديث عن جدوى هذه البرامج وأثرها في خفض أعداد المرضى الذين من جهة أخرى تتطلب علاجات أمراضهم المزمنة مبالغ كبيرة في كل بلد من بلداننا. كما نشطت عبارات المغردين بين مؤيد وممتعض لرفع أسعار التبغ الذي شهد ارتفاعات سابقة، لكنه هذه المرة سيقفز لتصل علبة التدخين المعروفة إلى نحو 26 ريالاً، كما جاء في أغلب التوقعات.

ويبقى التدخين يجتذب اليافعين وينخرط في جولات حضوره الاجتماعي عدد واسع من الشرائح الاجتماعية، وإن شهد وعياً بمخاطر وأضرار مركبات ومحتويات هذا المنتج الزراعي الصناعي الذي يعود على الشركات المصنعة بالمليارات، ويكلف البلدان أضعافاً مضاعفة في برامج الوقاية والعلاج.

هل تكون هذه الإجراءات ذات تأثير كبير في خفض أعداد المدخنين، أم أن التدخين عادة يصعب تركها، خصوصاً مع عدم وجود الإرادة لذلك؟.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.