آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

مع أيهما أنت؟

محمد العلي * صحيفة اليوم

«النوم مع الخيال أحلى من النوم مع الذاكرة»

ليس هناك شاعر في الدنيا لا يضيء اليقين جوانحه بهذه المقولة للشاعر انسي الحاج، فالنوم مع الخيال، الذي نسميه الأحلام، شغل الفكر الفلسفي والنقدي منذ انبثاقهما في الوعي البشري حتى بتنا نرى - حسب عالم الاجتماع الكبير علي الوردي - أن هناك مدارس لتفسير الأحلام، ففي الطفولة البشرية أعيدت الأحلام إلى قوى خيرة وأخرى شريرة فوق الطبيعة تمنح الفرد أحيانا الاطلاع على بعض الغيب.. وهذا ما تؤمن به المدرسة الصوفية، وهذا الاعتقاد الخرافي نشاهده الآن ملء الفضاء.

أما المدرسة الأرسطية، فنعتقد أن الأحلام تنشأ من مؤثرات حسية، فكثيرا ما تمر على الإنسان في اليقظة لحظات خاطفة من الفرح ومن الحزن لا يلتفت إليها في حينه، وتعود إلى الظهور أثناء النوم. أما المدرسة الثالثة فهي مدرسة فرويد، التي نسفت كل ما قبلها من مدارس كما هو معروف.

وسيبقى الخيال يفتح أمام الأحلام نوافذ ملونة لزمر الشعراء «الكرام» التي تطير بلا أجنحة، ضاحكة على كل ما قاله الفلاسفة والنقاد، وما سيقولون في المستقبل.. وستبقى الأحلام غابة خضراء يرتادها الشعراء الاشاوس أو الفوارس أو الاكاوس.

أما الذاكرة فهي مرتبطة بالزمان والمكان ودرجة الوعي بكل ما مر به المجتمع والفرد من التجارب والتقاليد والمعتقدات.. وما يضج به التاريخ والعضر المعاش من أحداث وما يؤمن به المجتمع من القيم البيضاء والسوداء ومن سلوكيات.

من هنا يتضح الفرق بين المجتمعات ومن ثم الافراد فشتان ما بين فرد يعيش في مجتمع مطمئنا إلى قطف حقوقه كاملة، وعلى رأسها حقه في الحرية والكرامة، ويشعر بتقدم مجتمعه في السباق الحضاري يوميا، وبين آخر يعيش في مجتمع يدافع عن تخلفه، ويرغمه على القبول به.. ولا يشعر هذا المجتمع بهزائمه في كل ميدان.

كل هذا تحمله الذاكرة الجمعية والفردية.. فما هي نوعية الأحلام التي يراها الفريق الذي تحف به الحقوق والانتصارات، ونوعية الاحلام التي يراها الذي يجهل معنى الحقوق والانتصارات ولم يصل حتى الى مرحلة التمني؟

لا شك في ان الأول سيرى أحلاما بيضاء حتى لو رأى في المنام خنزيرا، لتقدم ابن سيرين ليقول له: «الخنزير في المنام هو الخبر الطيب والحدث السعيد وهو مفاجأة غير منتظرة من الحظ» أما الثاني فسيرى قافلة من الكوابيس.

«مع أيهما أنت؟»

أما أنا فلست أرى في الذاكرة ما يستحق أن يتحول إلى حلم.

كاتب وأديب