آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

تصريحات ترمب وقمة العشرين المقبلة!

الدكتور توفيق السيف * صحيفة الشرق الأوسط

العالم، شرقًا وغربًا، مشغول بالرئيس الأميركي الجديد، نظرًا لغرابة طروحاته والتباين الواضح بين ما رآه الناس في شخصه، وبين الصورة الذهنية المعتادة عن سادة البيت الأبيض. فوز باراك أوباما بالرئاسة في 2008 كان هو الآخر استثنائيًا ومفارقًا للمألوف، رغم التباين بين الرجلين وطبيعة ردود الفعل على فوز كل منهما. وأذكر للمناسبة ما رواه صديق حضر الاحتفال بإعلان نتائج الانتخابات في السفارة الأميركية. يقول الصديق إن السفير، وهو جمهوري ذو ميول محافظة، كان لا يخفي قلقه من فوز أوباما. لكنه صعد المنصة فور إعلان النتيجة، وألقى خطبة عصماء، بكى في أولها، ثم قال ما مضمونه إن فوز أوباما يمثل في محتواه الرمزي انتصارًا للذات الإنسانية العميقة التي تحن للإنصاف والفضيلة، وتعبر عن الصورة التي يريدها الأميركيون لأنفسهم، حتى وإن أخفقوا في تجسيدها في غالب الأحيان.

وأظن أن الترحيب الواسع الذي حظي به فوز أوباما على امتداد العالم، لا تختلف دواعيه عن تلك التي أبكت السفير. يتوقع العالم أن يرى الدولة الأقوى - بل أي دولة - ملتزمة بفضائل السياسة وأخلاقياتها، وعلى رأسها الإنصاف والمساواة.

اهتمام العالم بفوز ترمب مختلف تمامًا عما حظي به أوباما. فهو يعبر عن القلق مما ينتظره في العهد الجديد. بينما ولّد انتخاب أوباما قدرًا من اليقين والكثير من الأمل، في أن الدولة العظمى الوحيدة، تعود للاعتدال في التعامل مع ذاتها ومع العالم.

زبدة القول إن الترقب وعدم اليقين هما المحرك العميق لانشغال العالم بالرئيس الجديد. ومحوره هو تصريحات ترمب حول العلاقات الدولية، مثل حديثه عن إلغاء اتفاقية باريس للمناخ، وإلزام أوروبا بتحمل نفقات الحلف الأطلسي، وحديثه عن جدار المكسيك، وخطة القضاء الفوري على «داعش»، وتهديده بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. هذه جميعًا تكشف عن نمط متشدد في العلاقات الدولية.

لكن التدقيق في مجموع وعود ترمب «وتهديداته» قد يعزز فرضية أن «العامل الداخلي» هو موضع اهتمامه الوحيد. جميع أحاديث الرئيس خلال الحملة الانتخابية وبعد فوزه بالمكتب البيضاوي، تدور حول مسلمة رئيسية هي أن الولايات المتحدة قوية بما يكفي كي تستغني عن الدول الأخرى، اقتصاديًا وأمنيًا. وأن على الحكومة أن تلعب دور صانع المشهد، وأن تجسد تلك القوة في سياساتها الداخلية والخارجية. تنصرف هذه المسلمة إلى معنيين على وجه التحديد:

الأول: أن الولايات المتحدة لا تتحمل تكلفة إصلاح العالم أو حمايته. وإذا شاركت، فإن حصتها من الكلفة لن تزيد عن حصة الآخرين. وإن مساعدة الولايات المتحدة للآخرين يجب أن تحسب على أساس تجاري، وليس على أساس أخلاقي أو سياسي بحت.

الثاني: مهمة الحكومة هي المحافظة على ازدهار بلادها. وهذا ينصرف تحديدًا إلى المعنى الاقتصادي دون غيره. ويشمل معالجة البطالة، وخفض الضرائب، وزيادة الصادرات، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية.

إذا صح هذا التحليل، فعلينا الانتظار بضعة أسابيع، ريثما تبدأ الإدارة الجديدة في مواجهة استحقاقات السياسة العادية. عندها سيتحدد مدى التحول الذي يمكن للبيت الأبيض فرضه في المشهد المحلي والدولي. ويحتمل أن أبعد تقدير لزمن الاختبار هو قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في ألمانيا مطلع يونيو «حزيران». الشهور الأربعة التي تفصلنا عن موعد القمة ستكون مختبرًا لمعرفة ماذا سيفعل ترمب في السنوات الأربع القادمة. ويحتمل أن معظم انعكاساتها سيكون باتجاه الداخل الأميركي وليس العالم.

باحث ومفكر عربي من المملكة العربية السعودية.