آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

الحل هو بصمة في كل ساعة؟

عبدالله الحجي * صحيفة الشرق

يتصور بعض المديرين بأن مجرد الانضباط في الحضور والانصراف على الوقت من شأنه زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء لمنظومة العمل وتقدمها وتطورها، وعليه يتم التضييق على الموظفين ومراقبتهم ومتابعتهم في حضورهم وانصرافهم حتى إن استدعى الأمر زيادة التحضير واستخدام البصمة لعدة مرات خلال ساعات الدوام.

حضر الموظف في أول الوقت وانصرف في آخره ثم ماذا بعد؟ هل يضمن ذلك زيادة الإنتاجية والإبداع وتحسين الأداء وتغيير وتطوير منظومة العمل؟.

الانضباط في الحضور والانصراف أمر ضروري من الموظف، وذلك يعكس مدى وعيه وإحساسه بالمسؤولية وإخلاصه لمنظومة العمل التي ينتمي إليها. ولكن مجرد الحضور والالتزام بالوقت لا يكفي، وينبغي البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا التسيب.

قد يحضر الجميع بالانصياع والانقياد للأوامر لتفادي العقوبة ولكن كيف سيكون حضورهم وما تأثيره على نفسياتهم؟ عندما يكون الموظف مكرهاً على ذلك فإنه سيحضر ولكن قد لا تزيد إنتاجيته عن ساعة أو ساعتين في بعض منظومات العمل التي يكون التحكم في الوقت فيها بيد الموظف نفسه. ومن جهة أخرى، ينعدم لديه الحس الإبداعي وروح المبادرة للابتكار والتطوير بل سيعمل وكل همه وتفكيره انتظار ساعة الانصراف.

كل منظومة عمل تعاني من هذه الظاهرة لها أسبابها الخاصة التي أدت إلى التسيب وضعف الإنتاجية، ومن أهم تلك الأسباب هو المدير نفسه. في مثل هذه المواقف يتضح الفرق ويعرف إن كان من يتولى الأمور هو مدير أم قائد، وقد تم توضيح الفرق بينهما في مقال سابق بعنوان «ليس كل مدير قائداً».

المدير يحرص ويركز على الالتزام بضبط الوقت بينما لو كان يتصرف كقائد سيختلف الأمر اختلافاََ كليّاً. القائد الفاعل هو من يعيش الوضع مع العاملين معه ويشجعهم ويؤثر فيهم إلى درجة توجد علاقة غريبة بينهم وبين عملهم وتزيد من إخلاصهم وحبهم للعمل. ومن جهة أخرى، من سمات القائد الفذ أن يكون نموذجاً وقدوة في تصرفاته ومنها الالتزام بالحضور والانصراف؛ فعندما يكون كذلك فسيُحتذَى به. لقد أثبتت التجارب بأن ذلك أكثر تأثيراً وفاعلية من ألف كلمة ومحاضرة وقوانين صارمة. وعندما يكون متسيباً وغير مهتم فليس بغريب أن يكونوا على شاكلته بلا رقيب ولا حسيب.

ومن الأسباب الأخرى لهذا التسيب وعدم الانضباط هو عدم الاحترام والتقدير وانعدام التحفيز والتكريم والنزاهة في تقييم الأداء وسلم الترقيات للموظفين. وهذه الأمور تستدعي دراسة كل منظومة بمفردها والاستفادة من التغذية الراجعة من الموظفين بكل شفافية. التحفيز يلعب دوراً كبيراً في تحسين الأداء سواء كان ماديّاً أو معنويّاً وكل شخص يختلف عن الشخص الآخر في ما يحفزه، وبعضهم قد يكون لكلمة «شكراً» أثر كبير على نفسياتهم وأدائهم. كما هو الحال بالنسبة للاحترام والتقدير والتقييم بحيث يحصل كل موظف على حقه حسب أدائه الحقيقي بعيداً عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية والمعايير التي تتجرد من النزاهة والإنصاف وتسهم في تحطيم معنوياته وتصيبه بخيبة أمل وردة فعل عكسية.

ومن الأسباب عدم الثقة بالموظفين وعدم تمكينهم والتدخل الدقيق في كل صغيرة وكبيرة من عملهم بحيث يسلبهم الثقة في أنفسهم في اتخاذ القرارات حتى وإن كانت صغيرة. استخدام نمط وسياسة المركزية والتدخل في إدارة الجزئيات الدقيقة هو من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المديرون لأنها تسلب الموظف هويته وتجعله مجرد أداة تنفيذية للإدارة، ولا تسهم في تطويره ونموه ليصبح قائداً يعتمد عليه في المستقبل.

هذه بعض الأسباب التي تتفشى في بعض منظومات العمل - ولا نعمم من أجل الإنصاف - وتحتاج للقائد الذي يتمكن من تشخيص العلة ووصف العلاج المناسب لإيجاد بيئة عمل صحية تجعل الموظفين يعشقون عملهم إلى درجة أنهم ليس فقط يلتزمون بالوقت بل يقضون ساعات إضافية مجانية خلال أيام العمل والعطل الأسبوعية. كما أنهم يعملون بشغف وإخلاص سواء كان القائد موجوداً بينهم أو بعيداً عنهم، بالإضافة إلى الإنتاجية والإبداع والتغيير للنهوض بمنظومة العمل لتحقيق أهدافها ورؤيتها.

وبمشيئة الله سأتناول لاحقاً نموذجاً لإحدى القيادات السعودية الشابة التي تمكنت من إيجاد مثل هذا الجو، والنتائج الإيجابية التي حققتها بفضل قيادتها الفاعلة.