آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

تطفيش وتفنيش

ناصر موسى الحسين صحيفة الوسيل القطرية

مثل البشر، تمر الكيانات الاقتصادية، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، بحالات متفاوتة من الضعف والقوة خلال دورة حياتها، فتتعرض أحياناً لمشاكل وضغوط كونها ترتبط بمحيط خارج التحكم، وبأطراف تبحث عن مصالحها المحضة، وبقوانين تتبدل باستمرار، وبأسعار سوق عُرضة للتغيير الدائم، وبمنافسة لا تهدأ، إضافة إلى عوامل ضغط أخرى تمثّل في مجملها تحدّيات حقيقية.

وفي مواجهة هذه التحدّيات تبرز القدرات الإدارية ويتجلى التفكير الإداري الإبداعي، وتتكشف «في المقابل» عورات الحلول التقليدية والأساليب البالية في الإدارة، فالنجاح والتميّز الحقيقي لا يقاسان في ظل الظروف الاعتيادية، ولهذا السبب نجد كثيراً من الأسئلة التي ترد في امتحانات التخصصات الإدارية أو في المقابلات للوظائف الإدارية تتعلق بأساليب معالجة الأزمات، واقتراح الحلول الابتكارية لمواجهة المشاكل في الإدارة.

كثير من المديرين في عالمنا الثالث يلجأ - في ظروف الأزمات المالية - إلى الحلول الأبسط، وامتطاء «الطوف الهبيط»، ومن بين ذلك التخلص من عدد من الموظفين بذريعة تقليص النفقات أو زيادة السيولة المالية، وهو ما نلمسه بوضوح وكثرة في الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة ودول المجلس، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن نتجرع خبراً مفجعاً بتسريح موظفين من هذه الشركة أو تلك، بالعشرات أو بالمئات، وكثير منهم - بكل مرارة وأسى - من الكفاءات الوطنية.

ورغم تصريحات كثير من مسؤولي تلك الكيانات الاقتصادية بكون الموارد البشرية تمثل بالنسبة لهم رأس المال الأول والمهم، إلا أنها - في الحقيقة - ليست سوى ادعاءات للاستهلاك الإعلامي، فما إن تتعرض الإدارة إلى أزمة مالية إلا ويسكب الموظفون الماء على لحاهم استعداداً للتفنيش المباشر أو التطفيش المنتهي بالتفنيش، ومن المحتّم أن الموظفين الذين لا تطالهم الموسى ليسوا بالضرورة هم الأكفأ، فالبقاء في مؤسساتنا ليس للأصلح، فكما أن عمليات التوظيف تحكمها المحسوبيات فإن التفنيش أيضاً تحكمه المصالح الشخصية.

ما أحوجنا في ظل الأزمات إلى نماذج مثل «هاروكا نيشيماتسو» الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية اليابانية الذي رفض فصل أي موظف بحجة تقليص النفقات، في وقت كانت خسائر شركته تقدر بحوالي 400 مليون دولار أمريكي، وبدلاً من ذلك تخلى هو بنفسه عن 80% من مخصصاته، وأصبح يتقاضى أجراً أقل من راتب طيار يعمل في الشركة، كما ألغى جميع علاواته بحيث اضطر للادخار من أجل دفع فواتير بعض الخدمات في منزله مثل سخان الماء.

ومن النماذج المبهرة تلك التي استطاع فيها رئيس إنقاذ شركته من الإفلاس المحتم بابتكار أسلوب إداري متقدم، فبدلاً من الإفلاس أو التسريح وجَّه دعوة لجميع الموظفين لقضاء شهر إجازة دون أجر ضمن جدول زمني..

طبّق الموظفون الاقتراح، وبعضهم تبرّع بقضاء إجازة شهرين دون أجر، فوفّرت الشركة سيولة مالية استطاعت بها تجاوز الأزمة، وازداد مؤشر ولاء الموظفين للشركة، وتضاعفت إنتاجيتهم.

لا نريد أن نبالغ في التمنيّات فنحلم برئيس مثل «لي جينيوان» الذي قرر بمناسبة مرور 20 عاماً على تأسيس الشركة أن يحتفل بطريقة مبتكرة فاصطحب 6400 موظف في رحلة سياحية إلى باريس وكان وموناكو، أو مثل“يانج يوانكينج”الرئيس التنفيذى لشركة «لينوفو» الذي حصل على مكافأة شخصية قيمتها 3 ملايين دولار نتيجة تحقيقه أرباحاً قياسية للشركة فقام بتوزيعها على الموظفين بالتساوي ولم يأخُذها لنفسه «قام بهذا الأمر مرتيْن على التوالي» لا نتوقع هذا في واقعنا، وكل ما نتطلع إليه هو بعض الرويّة والحكمة في اتخاذ القرارات، ومواجهة التحديات بدلاً من تفنيش الموظفين، وابتكار الأساليب الإدارية عوضاً عن القفز على الجدار الهبيط.