آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

غضب السياط

محمد العلي * صحيفة اليوم

حين كنا شبابا، كنا نسمع من بعيد تعبير «الأدب الملتزم» وكانت كلمة «الالتزام» ذات رنين يشبه ضحكة الذهب على عروس فيروز، ثم مع الزمن خفت ذلك الرنين الساحر، لا لأنه مات، بل لأنه اكتسب حياة أشد امتلاء بالمعنى، مما كان عليه عند ولادته وسط صخب مجلة الآداب البيروتية، فقد أصبح عضوا وجوديا لأي إبداع يكون هدفه الإنسان، أي أنه أصبح نبضا لا عاصفة تأتي من الخارج.

أما الآن فقد احتشدت الأصوات التي تقيم مأتما على الآداب والانحسار التام لفعل الأدباء، مطالبين هؤلاء الأدباء بإنتاج الرؤى «المغيرة» للمجتمع، وزرع الوعي في جوانحه وفي سلوكه.. ولأنهم، أي الأدباء والمفكرين، لم يبلغوا هذا المستوى من تغيير الواقع، فهذه الأصوات رفعت «السياط الغاضبة» وراء ظهورهم.

حين تكون من هؤلاء «اللوامة» فأنت لم تنظر إلى الواقع الاجتماعي من جميع زواياه، إذ إنك تطلب من طيور في الأقفاص أن تكون لها فرحة التغريد على الأغصان ونشوة التحليق في الأفق، ذلك لأن أول ما يتطلبه الإبداع المغير هو: الحرية السياسية والحرية الاجتماعية. أظن ظنا تفاؤليا أنك تعرف مفهوم الحرية السياسية، ولكن الأشد غيابا، بل فقدا، هو مفهوم الحرية الاجتماعية، إذن دعنا نجدف حالمين بأن نصل إلى المرفأ.

وأبدأ بالسؤال التالي: هل مجتمعنا يعيش العصر الذي هو فيه؟ وأجيب على الفور: كلا.. إنه يعيش في زمن آخر، أي الماضي، ويدافع عن بقائه فيه.. ولذلك فأي أديب يحاول التغيير أو صاحب فكرة تضيء الطريق، هو هرطقي.. ثم تنهال عليه الأوصاف السوداء. إن مهمة الأفكار هي نقلة الوعي من القناعة بما هو كائن إلى الإصرار على ما يجب أن يكون.. فهل هذا متاح أيها السيد؟

وهناك في المجتمع فئات مختلفة لا ترتبط أفكارها وتطلعاتها، وبالتالي سلوكها، بمفهوم المواطنة، بل بمفاهيم تاريخية تقطعت أسباب استمرارها.. إن مفهوم المواطنة، حين يتحول إلى عقيدة راسخة تنصهر تلك الفئات، لا في اتجاه واحد، بل في عدة اتجاهات «حرة» كلها تتجه لمصلحة إنسان الوطن، كما نراه في مجتمعات الأحزاب والنقابات.

ثم هؤلاء اللوامون لا يقرؤون الواقع ولا التاريخ، ففي الواقع نرى السجون عامرة، تتسابق في الاكتظاظ بخيرة المفكرين والأدباء، وملاحقة من لا تضمه تلك الكهوف.. أما التاريخ فلك أن تلقي عليه نظرة سريعة عن ابن المقفع، مرورا بابن رشد وليس هناك انتهاء.

ومع ذلك فأنا معك، فمجتمعاتنا لم تشاهد مثل ما شاهده المفكرون والأدباء الغربيون، ومع ذلك لم يستسلموا.

كاتب وأديب