آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

أين هو المليون؟

محمد العلي * صحيفة اليوم

من أجمل ما قرأت هذه الأيام فصل من كتاب الدكتور سمير أمين بعنوان: «ثورة مصر وبعد» وحين وصلت الى قوله: «تبدو لي الحركة التي أخذت مجراها في المجتمع المصري أواخر يناير «2011» في واقع الأمر انطلاقا ثوريا، قد يتحول الى مد ثوري لا أكثر، فما حدث هو أكثر من مجرد انتفاضة، لكنه أقل من ثورة». ويضيف: «تتمثل العناصر الاساسية للحركة في «1» الشباب المسيس اصلا والمنضم في شبكات مرتبطة ببعضها بعضا، يصل عدد اعضائها الى مليون شاب يمثلون ما يمكن ان نطلق عليه: الجيل الجديد». حين وصلت الى قوله هذا وقفت حائرا، كمن ضيع عينيه، هل أستمر في القراءة أم أقف لأسأل سمير أمين: أين هو المليون؟ هل هو رقم يسحب من رصيد الشعب لتشتري به باقة من خس فيروز او ربوة من خيار عادل امام ثم يذوب.. أم هو عدد بشري يشكل جيلا، حسب تعبيرك يا أمين؟ فاذا كان جيلا، فأين هو؟ أتخيل أن سمير سيقف حائرا، مثلي تماما، أي كمن ضيع عينيه، ولكنه سينفض عنه السبات الربيعي ليقول: المليون - يا أخانا - قد اطمأن انه أدى ما عليه، وانه سلم الشجرة، التي لم تنضج ثمارها بعد الى ايد امينة، وسيقول: اظنك ستسألني: ألم تنضج الثمار بعد؟ وسأقول لك: أتظن ان ثمر الشجرة البشرية مثل شجرة الحقل؟ كلا.. ان ظنك هذا وهم من عمل الشيطان، لا تغسله الا التوبة، ان الشجرة البشرية قد لا تنضج ثمارها الا بعد «ألف سنة مما تعدون»، فالمليون الذي فجر الثورة لا بد ان ينتظر ألف سنة لقطف ثمارها ان شاء الله.

اتذكر هنا قولا للناقد الراحل رجاء النقاش يوضح فيه جانبا من النفسية المصرية فيقول: «ان من يعاني تجربة الحياة في مصر يستطيع ان يتبين بوضوح ان الازمة الحقيقية التي يعانيها الانسان هي اصطدامه بالواقع الذي يعيش فيه، وعجزه، في الغالب، بعد تمرد وقت «...» عن اخضاع هذا الواقع له، مما يؤدي الى مظاهر متعددة، تتفق في دلالتها «...» على انتصار الجانب الهروبي في الشخصية المصرية». الناقد الكبير النقاش لم يعلل او يذكر السبب الذي يجعل الجانب الهروي في نفس كل مجتمع عربي، لا في مصر وحدها، ينتصر على غيره من الجوانب الاخرى، وأظن انه، لو وقف قليلا، لعرف أن الشجرة البشرية قد ينضج بعض ثمارها قبل غيره لسبب واقعي، هذا اذا لم نتقبل رأي من يقول: إن أي شجرة لا ينضج بعض ثمارها قبل غيره، وعلى كل حال فإن الجمر العربي دائما تحت الرماد منتظرا الرياح.

كاتب وأديب