آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

«ضريرٌ» على السجادة الحمراء!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

على السجادة الحمراء سار نجوم الفن السابع السعوديون يتملكهم الزهو والشعور بنشوة الإنجاز... يتوقفون أمام اللوحة التذكارية لمهرجان أفلام السعودية، في دورته الرابعة، تلاحقهم عدسات المصورين، وعلى تلك السجادة سار أكثر من ألفين من صُنّاع الأفلام السعوديين، صُنّاع الفنّ، وروّاد الإبداع.

لكن، ليسوا وحدهم الذين ساروا على السجادة الحمراء في هذا العرس السينمائي، كان معهم «رجل ضرير» فقد القدرة على أن يبصر واقعه حتى أصيب بضربة على رأسه فارتد بصيرا.

هذا الرجل الضرير مثّل عبقرية فيلم الافتتاح لمهرجان أفلام السعودية الذي يقام حاليا في خيمة «إثراء» بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في الظهران. الفيلم هو «وسطي» للمخرج علي الكلثمي، وهو يروي بجودة فنية عالية حادثة وقعت في 27 نوفمبر «تشرين الثاني» 2006 حين هاجم متشددون مسرحية كانت تعرض في كلية اليمامة شمال الرياض، باسم «وسطي بلا وسطية»، تدعو إلى البعد عن الغلو والتشدد، وهي من تأليف الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم الحالي، حيث صعد محتسبون خشبة المسرح وحاولوا الاعتداء على الممثلين، وهو ما دفع رجال الأمن إلى التدخل وفرض القانون، وقد أصيب أحد منظمي المسرحية.

في الفيلم كان «الرجل الضرير» يجلس في الصف الرابع لا يعي ما يدور حوله من محاولات الاستيلاء على حق الناس في التعبير، وسعي البعض لصياغة المجتمع على نمطه وصورته، وفرض قناعاته بالقهر والضغط والقوة... وحين وقع الاشتباك جاءت اللطمة على وجه الضرير، لتشعل النور في عينيه وليبصر واقعه من جديد.

كان الضرير تعبيرا رمزيا عن مجتمع أيقظته الحوادث وأشعلت طريقه بالنور، لكن السينما استطاعت أن تختزل المعنى في لقطة تعبيرية ذات كثافة فنية عالية، دون الحاجة إلى استخدام الخطابة للوصول إلى المعنى، وهذا ما يجعل السينما ضرورة.

يثبت هذا المهرجان أن التجربة السينمائية السعودية تنضج كل يوم، وهي تمتلك رؤية فنية وذائقة جمالية وحسا عاليا بالإنسان، ولديها معنى فلسفي. تنضج بأدواتها الفنية، كما تنضج بالوعي العميق الذي يمتلكه روادها. لم تعد مجرد أعمال ترفيهية، على أهمية الترفيه وصناعة السعادة، ولم تعد مجرد تعبير عن هموم مجتمعية، وليست مجرد مشاريع أكاديمية لاختبار القدرة على تحريك الكاميرا وصناعة المحتوى.

أصبحت الأفلام السعودية؛ رغم كل العوائق أمامها، تعبّر عن إحساس الشباب بذواتهم، وقدرتهم على صنع خياراتهم الحرّة، وتطلعاتهم للتفكير خارج النسق، يعبرون عن إحساسهم الوطني تارة، وشعورهم الإنساني تارة أخرى، ونجحوا في خلق فضاءات جديدة تمزج بين الرؤية البصرية وقوة الإنتاج وجودة المحتوى.

يؤكد المحرك الرئيسي لهذا المهرجان، الشاعر أحمد الملا، أن «هذه الدورة رفعت مستوى الحسّ والإنتاج السينمائي المحلي إلى مستوى مُتقدم»، فقد ارتفعت المشاركات المسجلة هذا العام، من 112 فيلما و72 سيناريو العام الفائت إلى أكثر من 136 فيلما و116 سيناريو هذا العام، علما بأن جميع هذه المشاركات أنتجت خلال 2016، وبسبب نضج التجربة السينمائية، فقد أصبح المهرجان يهتم برفع معايير القبول، ولذلك تم اختيار 58 فيلما و89 سيناريو، من بين الأعمال المتقدمة للمشاركة.

نتذكر أن عدد الأفلام المشاركة في الدورة الأولى «2008» بلغ 58 فيلماً. وفي الدورة الثانية «فبراير «شباط» 2015» 66 فيلما، وسيناريو، وحصلت ثلاثة أعمال لشابات سعوديات على الجوائز، وفي الدورة الثالثة «2016»، تم تسجيل 112 فيلما و75 سيناريو.

هؤلاء الشباب هم البنية التحتية القوية لقيام سينما تنتمي إلى المكان والإنسان، وذات محتوى يجمع بين الدلالة والفنّ والجمال.