آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الحب الأسود

محمد العلي * صحيفة اليوم

أخشى تموت رؤاي إن

تتغيري.. فتحجري

هكذا بلغة فظة طلب عمر أبو ريشة من حبيبته أن تتحجر خوفا على رؤاه من الموت، طالبا من الطبيعة أن تكف عن الجريان، وبدلا من أنسنة الأشياء، راح يحجرن البشر، إنه يعيد أمامنا أسطورة بجماليون عند توفيق الحكيم، حيث صراع الحياة والفن، فلا يستطيع بجماليون أن يعيش بلا «جالاتيا» ولا أن يرى آثار الكبر وغبار الحياة عليها.

لقد كان بشارة الخوري أوسع أنانية من أبي ريشة، فهو طلب من الطبيعة نفسها أن تتحجر، حين بلغت ابنته

عشرين عاما من عمرها المديد:

عشرون قل للشمس لا

تبرح وللأرض اجمدي

أما المهلهل التغلبي فكان منطلقا من جاهليته الغليظة حين قال:

ليت السماء على من تحتها وقعت

وحالت الأرض فانجابت بمن فيها

أما إذا أحببت رؤية الهجمية وهي تمشي الخيلاء فاقرأ:

من حبها أتمنى أن يطالعني

من نحو منزلها ناع فينعاها

وحين لا تخشى الدخول في متاهة الحيرة أو تطل من أوسع منافذ الشك، فاقرأ الأبيات التي يجمع المؤرخون

على أنها لديك الجن:

يا طلعة طلع الحمام عليها

فجنى لها ثمر الردى بيديها

حكمت سيفي في مجال عناقها

ومدامعي تنهل في خديها

رويت من دمها الثرى ولطالما

روى الهوى شفتي من شفتيها

فوحق نعليها وما وطئ الثرى

شيء أعز علي من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن

أخشى إذا وقع الغبار عليها

لكن ضننت على العيون بحسنها

وأنفت من نظر الحسود إليها

هل اتسعت عيناك بعد قراءتها؟ هل داهمتك الغرابة من هذا التناقض النفسي الذي مزق الشاعر شر ممزق؟

هل تصدق وقوع الحادثة أم تعتبرها من الأساطير؟ إن من يقرأ قصة «المنتقم» لأنطون تشيكوف لا يستغرب من الكهوف داخل الفرد الإنساني.

أنا أشك من زاوية واحدة فقط.. هي أن الأبيات غريبة جدا عن لغة كل شعر ديك الجن المتسم بطابع الشعر الجاهلي.

كاتب وأديب