آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 12:58 م

الشكوى إلى الله تعالى‎

التشكي هو إظهار الحزن والألم مما أضر به من صعوبات وعقبات أو إخفاق وغيره، ويعد التشكي نوعا من التنفيس وفسح المجال لتلك المشاعر المؤلمة أن تخرج من قمقمها، لما لحبسها من ضرر سيء يتجه بالمرء نحو اليأس وانكسار الإرادة، وفقدان الرغبة في حياة يحقق فيها آماله وأهدافه.

وينظر علماء النفس لمفهوم التشكي بمنظار سلبي إذا أخذ المرء يولول ويثرثر ويطيل في الحديث عن همومه كلما التقى بأحدهم، وهذا ما يجعله شخصا ثقيلا لا يرغب الآخرون في اللقاء به أو التحدث معه، إذ العلاقات الاجتماعية والأسرية مبنية على الأنس والأحاديث المزيلة للهموم، والأتعاب المتولدة من ممارسة العمل وتشعب العلاقات والتوتر الناجم عن بعض المواقف، وبالطبع فهو غير مستعد لتقبل صداقة ومجالسة من اعتاد لسانه على تعداد المصائب والمشاكل التي يمر بها بنحو فج وممل، ولذا فإن المتشكي من هموم زمانه يصبح منبوذا، ولا يحبذ الآخرون الاقتراب منه واستماع إسطوانته المشروخة التي طالما رددها ويحفظها بكل تفاصيلها فيزعجهم بها.

كما أن التشكي يعود بالآثار السلبية على نفس الشخص، وذلك أن فحوى الشكوى من مصاعب الحياة هو التذمر والضجر، وإظهار العجز أمام تلقيها وتقبلها فضلا عن القدرة على معالجتها والتكيف معها، فتتحول تلك الأحزان والآلام إلى روح اليأس ونظرة التشاؤم والهواجس من المستقبل، فلا يرى في قادم الأيام إلانذير شؤم وسحاب المحن التي ستضرب حياته بقوة فتنغص عليه عيشه واستقراره، وهذا ما يحيل المتشكي إلى بقايا إنسان يفقد روح المبادرة والطموح والعمل الجاد لتحقيق أهدافه.

وأما الشكوى إلى الله فتأخذ بعدا تكامليا يسير باتجاه الترقي العقائدي والهدوء النفسي، وذلك أن الشكوى إلى الله تعالى تعد معرفة بعظمة وقدرة الباري أمام عجز وقلة حيلة العبد تجاه مجرى الأمور وتصريفها، فيلجأ إلى مدبر الأمور الذي يرحم عباده ويشفق على سوء حالهم؛ ليلطف بحاله ويعينه على تجاوز محنته ومحطة أحزانه؛ ليتحصل بعدها على فيض الطمأنينة وقرار الجنان والثقة بالخالق مهما علت الهموم بأمواجها المتلاطمة، بعد أن اعتصرت قلبه المشكلة والأزمة التي مر بها فأضنته وأهمته وشتت تفكيره.

عندما يواجه الطفل الصغير أي مشكلة أو مسبب للألم فإنه يتوجه صارخا نحو حضن أمه؛ لتمسح ألمه باحتضانه والتربيت على رأسه، فيشعر بالراحة والطمأنينة بعد تلقيه دفقة حنان من قلبها الرؤوم، وهكذا العبد المؤمن عندما يفزع إلى محراب المناجاة باثا حزنه وألمه لرب العباد، وهذه الشكوى لا تكسبه ضعفا بل هداية واسترشادا وقوة في مواجهة تحدي الثلاثي الخطير «أهواء النفس والشهوات والشيطان»، وقربه من الله تعالى وصفاء نفسه بعد المناجاة بلا شك سيولد مناعة أمام الاستجابة للأهواء.

ومن الناحية النفسية فإن المشاعر المتأججة تحتاج إلى تنفيس وتبخر؛ ليستعيد المرء توازنه الفكري والانفعالي المعين له على اتخاذ القرار والخطوة الصائبة، واستشعار معية الرب الجليل والارتكان إليه في مواجهة التحديات هو ما يجلي في العبد قوة إيمانية تبصره بحفر الشهوات فيمتنع عن اللهث خلفها.

وما أجمل هذه الإشراقة من العبد المؤمن العارف بحقيقة دنياه والاستعداد لآخرته، فعرض مخاوفه مما يعيق مسيره إلى رضوان الله، وما يحرمه من الفوز بنعيم الآخرة.