آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ابتعد عن السعوديين في الخارج

فاضل العماني * صحيفة الرياض

يبدو أن هذه ”النصيحة الثابتة“ التي تُزرع في آذان/قناعة المبتعثين، مباشرة قبل أن توزعهم صالات المغادرة الدولية باتجاه الغرب والشرق من دول الابتعاث، لم تعد ”حقيقة مسلّمة“ ندسها عنوة في حقيبة السفر التي تغص بطموحات وأحلام وتطلعات أجيالنا الفتية.

حكاية مؤيد، الفتى الكفيف الذي غادر بلدته الحالمة ”القديح“ التي تسكن الجانب الشمالي الغربي من مدينة القطيف، تستحق أن تُنسج في سجل الدهشة الإنساني لأنها ”ملحمة وطنية“ صنعتها الإرادة والإصرار والتحدي لفتى كفيف يحمل حلماً، تماماً كما صنعتها ملامح الحب والتعاطف والعطاء لشباب سعودي من مختلف مناطق الوطن ساهموا بوفاء ونقاء ونبل في نجاح قصة مبتعث، بل في ”قصة نجاح وطن“.

في 4 يناير من عام 2012، وبعد آلاف الأميال، حطّت الطائرة بفتى كفيف في العشرين من عمره، يحمل من الطموحات والآمال، ما يجعله يُبصر مستقبله، تماماً كما لو كان يُمسكه بكلتا يديه.

في حي بيربانك في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، كانت البداية لمؤيد صالح آل مرار، حيث تعلم اللغة الإنجليزية في أحد المعاهد الجامعية برفقة عائلة فلبينية لتساعده في شؤون حياته ودراسته، ثم انتقل إلى جامعة وودبيري التي تُعد أقدم جامعة في جنوب كاليفورنيا ليتخصص في علم النفس برفقة عائلة مكسيكية لمدة ثلاث سنوات وسبعة شهور والتي ساعدته كثيراً لإكمال دراسته الجامعية وإجادة اللغة الإسبانية بطلاقة جنباً إلى جنب مع اللغة الإنجليزية.

مؤيد الذي درس الابتدائية في معهد النور في القطيف ثم مع الطلاب المبصرين في مدرسة جعفر بن ابي طالب الابتدائية، والمتوسطة والثانوية في مدارس القطيف مع المبصرين أيضاً، أكد لي حينما هاتفته في أميركا بأنه عازم على إكمال دراساته العليا لنيل الدكتوراه التي يحلم بها.

مؤيد الذي حدثني بفخر عن بلدته القديح وعن عائلته المكونة من أب ”متسبب“ لا يملك وظيفة ثابتة وأم عطوف وهبت كل حياتها من أجل رعاية وتربية بناتها الست ومؤيد وأخيه مصطفى الذي رافقه لبعض الوقت في رحلته الأولى لأميركا.

تلك هي حكاية مؤيد التي وجدت تفاعلاً/ تعاطفاً كبيراً من كل أطياف الوطن، وذلك بمجرد أن وضعت مقطع فيديو في حسابي الخاص بتويتر لمؤيد وهو يتسلم شهادته الجامعية وسط تصفيق حار من زملائه وأساتذته، تصفيق لم يحجب صوته الواثق والقوي حينما ردد جملة ملهمة اختصرت كل سنوات الكفاح والإصرار والمعاناة التي تخطاها بكل نجاح: ”لقد فعلتها.. لقد فعلتها.. وأنت أيضاً تستطيع ذلك“.

حكاية مؤيد، فصل ملهم في رواية وطنية كبرى تستحق أن تُنشر في كل زوايا الوطن. فمؤيد ابن القطيف الذي وصل لأميركا وحيداً لا يعرف من اللغة الإنجليزية سوى بضع كلمات، لم يكن ليستطيع أن يواجه الظلام والغربة وصعوبة الدراسة لولا أن سخّر الله له شباباً سعوديين من مختلف مناطق الوطن، لم يهتموا بكل تلك التفاصيل البائسة التي يُحاول البعض إثارتها كنقاط اختلاف، ولكنهم احتضنوا ابن وطنهم بكل حب ونبل ووفاء.

حكاية مؤيد وغيرها، يجب أن تجعلنا نُعيد صياغة تلك النصيحة من جديد لتكون: ”أبحث عن السعوديين في الخارج“.