آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:02 م

الاستغفار في شهر شعبان

ينظر إلى شهر شعبان كمحطة أخرى بعد شهر رجب في عملية التهيئة والاستعداد الروحي، لتلقي فيض شهر الله وما يحمله من مفردات عملية تربوية وتهذيبية للمؤمن، فالغاية والهدف والأسمى من الاستظلال بفيء شهر رمضان هو تحقيق الارتقاء الروحي بتحصيل حالة الورع عن محارم الله، وتنشيط قواه نحو إتيان الأعمال الصالحة المقربة من ربه، ومن عاش فراغا روحيا وامتلأ قلبه انشغالا بزينة الدنيا، ولم يضع في أهم اهتماماته يوم معاده وما يواجه هناك من أهوال ودقة في الحساب وعرض الأعمال، فقد عاش مفلسا وحاسرا مما يهبه المغفرة الإلهية، وهذا الغافل ليس له من هذه المواسم العبادية سوى التعامل القشوري السطحي، والذي لا يتجاوز في أحسن أحواله وتقديره الجانب الطقوسي، إذ الغفلة تتغلغل في أعماق فكره، وتصرفاته ستناسب هذا الواقع المر فيعيش حياة الفراغ والدعة وطلب الملذات.

التهيئة الروحية للتعامل الجدي الصائب مع نورانيات وفيوض الشهر الفضيل، يتم الإعداد لها قبل ذلك بفترة من خلال البرنامج العبادي في شهر رجب وشهر شعبان، فيتأهب لهذه اليقظة الروحية بالتوبة وطلب التغيير من سوء الحال والأفعال إلى الخشية من الله تعالى والاستعداد ليوم الحساب، فإن الاستغفار الحقيقي ليس بلقلقة لسان وترداد لألفاظ يغيب الوجدان عن التفاعل معها، بل هو شعور بفداحة وعظم ما ارتكبه من قبيح ومعصية، ويلازمه الشعور بالحياء من اطلاع الرب الجليل على ما اقترفه، مما يجده غدا مثبتا في صحيفة عمله وتشهد عليه الشهود بإتيانه، ويتطلع لواقع جديد تنقشع فيه عن بصيرته التولع بالشهوات والغفلة عن يوم الحساب، وتبرز همته وعزمه بأداء الشكر لله عز وجل على ما وهبه من نعم، فتكون صلاته صلاة خشوع وتلاوته للقرآن الكريم تلاوة تدبر واستنارة بهديه، ومناجاته دعاء عبد تائب متذلل منكسر، وهكذا بالنسبة لبقية عباداته يتفحصها بمعيار الإخلاص وطلب الرضا الإلهي.

الاستغفار يعيد للنفس توازنها بعد أن تغلغلت بين جوانبها الولع بالملذات والوحشة من العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، ويؤسس لقاعدة إيمانية يمكن البناء عليها عندما ينطلق العبد في فضاء الأجواء الروحية في الشهر الفضيل، ويحرص فيه على اغتنام الوقت والفرص فلا يضيعها من بين يديه، فكل لحظة ترحل من أعمارنا لا يمكننا إرجاعها مرة أخرى، والندم في يوم القيامة يكون بقدر الأوقات التي غفلنا فيها وبددناها فيما عاد علينا بالحسرة والخيبة.