آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:16 م

الإنسان كائن تاريخي..

الشيخ حسين المصطفى

خلق الله الكائنات الحية وهي ملتصقة بالطبيعة بحيث لا يمكنها الانفصال عنها.. إلا أنَّ الإنسان اُستثني من ذلك؛ فهو كائن تاريخي؛ يحيا في الزمن وعبر الزمن. فينخرط في صيرورتها، ويتأثر بوقائعها، وينفعل مع مجرياتها، ويعبر عن كينونته من خلال وعيه بالتاريخ.. وهذا من خصائص الإنسان.

فالتاريخ بالنسبة للإنسان ”ليس خليطاً أعمى من المصادفات، ولكنه تطور عاقل، وحين تظهر الفكرة في تاريخ العالم على هذا النحو، فإنها تشكل ما يسمى بروح العالم...“، على حد تعبير هيجل.

إنَّ مسيرة التاريخ تبدأ في اللحظة التي تصبح فيه تنمية الإنسان ذات أولوية مطلقة.

وبعد 1400 سنة نحن بحاجة أن نخضع المعطيات التاريخية إلى «معقولة تاريخية» بحيث ينقل المؤرخ الأحداث من حالة مزاج محض إلى إطار منظم في فضاء رؤيته الخاصة، وهو ما يعبِّر عنه المفكر علي شريعتي ب «الوعي الحاضر الحر» حيث ”إذا تم حصر الوعي في نطاق المعرفة وحسب، نكون قد أفرغنا محتواه من غنى دلالي واسع، يمكنه أن يتسع لجميع ملكات البشر مقابل ما للكائنات الأخرى، خاصة إذا علمنا أنّ الوعي نظام للفهم والشعور والعمل والتواصل والتفاعل، مع الوجود ومعطياته، والمجتمع ومكوناته، والتاريخ ومحركاته، والسلوك وحوافزه أو مثبطاته. فحين يبلغ فرد ما مقام الوعي، فيعني ذلك أنه حاضر وليس غائباً، شاهد وليس غافلاً، فعَّال وليس كسولاً، مهتم وليس مهملاً، مركز وليس هامشاً، يقود ولا يتبع، ينتقد وليس إمعة“.

ولو نظرنا للإمام علي في نهج البلاغة وهو يشير إشارة واضحة إلى الوعي الحاضر في عمليات النقل والاتصال الثقافي حيث يقول: ”أي بني، إني وإن لم أكن عُمِّرت عُمُر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدتُ كأحدهم، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عُمِّرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صَفْوَ ذلك من كدره، ونَفْعَه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر جليله، وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، …“.

فالنص يشير إلى أنَّ الإنسان كائن تاريخي له ماض يعتبر بمثابة ذاكرة يحتفظ بها بوقائعها وأحداثها التي حققها المعرفة التاريخية.. فينقلنا النص من خلال وعي علي للواقع؛ ليمنح ولده قوة الدفع في مجال التغيير الاجتماعي والنمو.