آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 9:59 م

لثغة شعرية

محمد العلي * صحيفة اليوم

كن بعيدا عن الظن بأن هذا العنوان يحتوي على معنى البداية التي لا بد - غالبا - من أن تكون متعثرة، كلا.. إنه يعني لثغة الشاعر الذي لا يزال ثملا بدهشة الطفولة، ولذا فهو يحاول أن يعيد اللغة نفسها إلى لثغتها الأولى قبل أن يسلبها التكرار بكارتها.

«أريد أن أكون/‏ طائرة من ورق/‏ تعشقها البنات والبنون/‏ حمامة ناعمة/‏ تنتظر الفجر لكي/‏ تطعم من هديلها السكون/‏ ولثغة الطفل الذي/‏ يطيح باسم أخته شجون/‏ ثذون يا ثذون... الخ».

هل زلزلت الأرض زلزالها بمشاعرك وأنت تقرأ: «ثذون يا ثذون» وهل حملك تحول الدلالة من أفقها القاموسي اليومي إلى آفاق الشعرية الإبداعية المترامية الجمال؟

هذه اللثغة الشعرية العذبة تقرؤها في ديوان الشاعر ناجي حرابة «عثرات الكلمات» والذي يبدأ هكذا:

«يئست وأنا أحقن قافيتي بالرفيف فلا تطير/‏ وأنا ألاحق القمر لأبتل بالضوء فيسخر مني المحاق/‏ ولكني عازم على أن أؤجل موتي».

الموت هنا هو «اللافعل» والإصرار على الفعل نراه في قدرة الشاعر على تأجيل موته، ليعانق الطبيعة وتعانقه، ويبتل بضوء القمر وتتحول قوافيه الى طيور.

هذا الإصرار على التماهي مع الطبيعة والانصهار بها، نراه في أكثر من وكر للجمال في الديوان:

«إذا ذبلت في عيونك أمنية/‏ ثم لذت إلى القلب مستسقيا/‏ فانكسرت من الحزن/‏ إذ جفت الساقية/‏ فارتشف أغنية...».

الغناء انتصار على اليأس تشبث بالفرح، إنه فتح النوافذ على حدائق الأمل، بل إنه الشعر نفسه بكل ما فيه من غابات وأنهار وحتى وديان الصوفية السحيقة، الشعر بهو الغناء منذ أن قال حسان:

تغن بالشعر إما أنت قائله

إن الغناء لهذا الشعر مضمار.

غير أن الفرح والغناء لم ينسياه الهم العربي الذي سلبه الرؤية الصافية وتركه غريق الحيرة.

«أرى/‏ لا أرى/‏ أهذي العروبة/‏ أم ظلها؟ /‏ ترى سقطت/‏ بعض هذي النصال على صخرة الذل/‏ أم كلها؟..».

الديوان هذا ودواوين أخرى أهديت إلي من كوكبتين من الشباب الشعراء والغاوين زاروني قبل أيام مشكورين وسأتابع بالقراءة بقية الدواوين، إذا غض الكسل طرفه عني ولو قليلا.

كاتب وأديب