آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

يا شيعة علي احذروا من الوقوع في الغلو..

الشيخ حسين المصطفى

من القضايا الأساسية التي أصاب علم الكلام بالشلل هو خلق نزعة إخبارية تتساهل إزاء الأخبار العقائدية، وتتسامح في دراسة أسانيدها وتغضّ الطرف عن محاكمتها وفق الموازين العقلية، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام اجتياح أخبار الغلو والتشبيه والجبر والخرافة، عقول المسلمين، ووجدت لها جمهوراً عريضاً تلَّقاها بالقبول دون تحقيق أو توثيق.

وما يبعث على الاستغراب أن يدعو البعض إلى التسامح في أسانيد الأخبار ذات المضامين العقدية، وأنها تتساوى مع أخبار المستحبات، بحيث تجاوز ما هو معروف من أنَّ خبر الواحد ليس حجة ولا يعوَّل عليه في أصول العقائد فيما لو كان صحيح السند، فضلاً عما لو كان ضعيفاً.

إنَّ مساواة أخبار العقائد بأخبار المستحبات قياس مع الفارق؛ لأنَّ أخبار العقائد تؤسس للبناء المعرفي الذي لا يكمل إسلام وإيمان الشخص إلاّ به، بينما المستحبات هي مجرد نوافل عملية لا يخدش الإخلال بها في استقامة المسلم فضلاً عن إيمانه وإسلامه.

إنَّ الحديث عن أشخاص ومنزلتهم ومكانتهم وصفاتهم لا بدَّ أن يخضع للضوابط ويلتزم بحدود ما يقوم عليه الدليل، فلا يمكن أن يُفوّض إلى الناس ليقول كل إنسان بما يراه ويريده وهو يفتح باباً للغلو وقول ما ليس بحق، وليس شأن أهل البيت أن يسمحوا بذلك.

والميزان في ذلك هو قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ «المائدة: 77».

يقول المحقق الفقيه الشيخ محمد آصف محسني: ”فكل شيء لم يثبت بدليل معتبر في حق أحد وقال به قائل فهو غلو، أي زيادة وتجاوز عن الحد الثابت شرعاً، وإن شئت فقل: إنه غير الحق، وإنه قول على الله بغير الحق، ولا فرق في حرمته وقبحه بين أهل الكتاب والمسلمين وغيرهم. فالغلو لا يختص بالقول بربوبية المخلوق ونبوة غير النبي كما يبدو من جملة من روايات الباب“ [المشرعة: ج 1 ص 458].

والله سبحانه وتعالى - وهو يتحدث عن العدل في القول يقول: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى. فيؤكد الله سبحانه أنَّ في القول عدلاً وظلماً؛ فالعدل في القول ”هو الاستقامة في التعبير عن الواقع من دون زيادة ولا نقصان، بحيث إنك إذا سمعت الكلمة، انفتحت على الواقع الذي تعالجه، سواء كان هذا الواقع متصلاً بالأحداث التي تتحرك في حياة الناس، أو مرتبطاً بالتقويم للناس، أو كان منفتحاً على مسائل العقيدة في مفاهيمها، أو الشريعة في خطوطها، وما إلى ذلك“.

وقد جاء في حديث الإمام علي : ”هلك فيَّ اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغض قالٍ“، فالأول أحبّ الإمام إلى الدرجة التي فقد فيها توازنه، فغالى في حبّه، ووضعه فوق الموقع الذي وضعه الله فيه، فوصل به إلى الربوبيّة، والثاني أبغض الإمام ، حتى أعرض عنه وابتعد به عن درجته الحقيقية. وكان الأئمة ينهون الذين يغلون فيهم؛ إذ كانوا يريدون لمن يتّبعهم أن يقفوا على الموقع الوسط في تصوّراتهم، لهم وفي سلوكهم معهم.

وفي هذه الأيام العصيبة على الأمة، وفي سابقة غير معهودة، وبحضور كثيف، وفي ذكرى ليلة مقتل أمير المؤمنين ، يخرج في فضاء التواصل مقطع لرادود مشهور تحمل فيها ما لم نعهده من الغلو السافر في حق أمير المؤمنين ، مما يوجب على العلماء الانكار والاعتراض دفاعاً عن مدرسة أهل البيت والتزاماً بنهجهم.

فقد دأب أئمة أهل البيت فترة حياتهم في التحذير من الغلو فيهم، وأنَّ الغلو فيهم والاعتقاد بألوهيتهم أو ما يقرب من الألوهية، يعد كفراً..

وفي الصحيح، عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ”لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين، وكان والله أمير المؤمنين عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإنَّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم“.

وفي الصحيح عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين : ”لعن الله من كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كلُّ شعرة في جسدي؛ لقد ادّعى أمراً عظيماً، ماله لعنه الله، كان علي والله عبداً لله صالحاً أخاً لرسول الله ﷺ، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته ولرسوله، وما نال رسول الله ﷺ الكرامة من الله إلا بطاعته لله“.

وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود، قلت للرضا : إنَّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين وفضلكم أهل البيت وهي من مخالفيكم، ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟

فقال : ”يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه، أنَّ رسول الله ﷺ، قال: مَن أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس“.

ثم قال : ”يابن أبي محمود: إنَّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلوّ، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالبَ أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلا تسبُّوا الذين يَدْعُون من دون الله فيسبُّوا الله عَدْوَاً بغير علم. يابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا فإنَّه مَنْ لَزِمَنا لَزِمْناه، ومَن فارقنا فارقناه، إنَّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة نواة، ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه، يابن أبي محمود، احفظْ ما حدّثتك به، فقد جمعت لك خيرَ الدنيا والآخرة“.

وفي حديث الأربعمائة: قال أمير المؤمنين : ”إياكم والغلو فينا، قولوا إنا عبيد مربوبون“.

إنّ الخروج السافر عن هذا النهج يعد خروجاً عن ثوابت الدين الصحيح، وانحرافاً عن خط منهج أهل البيت ؛ لأنهم يؤمنون بالتوحيد الخالص، وأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد الذي لا بدَّ من أن نوحِّده في الألوهية ولا إله غيره، ونوحِّده في العبادة فلا معبود سواه، ونوحِّده في الطاعة فلا طاعة لغيره.

﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ.

﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 7
1
أبو أحمد
[ القطيف ]: 19 / 6 / 2017م - 1:24 م
كلام فضيلة الشيخ على المستوى النظري جيد، ومحل اتفاق بين الجميع، ولا خلاف فيه..

الذي يفيد هو أن يذكر نماذج من الغلو الذي يتصور هو أنه موجود بالفعل لدى الشيعة..

حسب اطلاعي لا يوجد مثل هذا لدى جمهور الشيعة حتى يتم التحذير منه بكلام عام يوحي للقارئ أن الأمر منتشر في أوساط الشيعة؛ فيعطي صورة سلبية عن الشيعة في الداخل لمن ليس لديه معرفة كافية، وكذلك لغير الشيعة ممن يتصيدون..

نحن بانتظار فضيلة الشيخ أن يناقش بعض النماذج..
2
هديب بن حرحد
[ qatif ]: 19 / 6 / 2017م - 8:41 م
احسنت شيخنا
هذا الموقف الشجاع الغيور على العقيدة المتزن
بارك الله فيك
لا نجد احدا يطرح الغلو والشرك كمفاهيم فضلا عن مصاديق ف يالواقع الشيعي
وهذا ما لا يجب السكوت عنه
بارك الله فيك وفي قلمك
3
ابو محمد
20 / 6 / 2017م - 7:38 ص
عزيزي أبو احمد أحد هذه الأمثلة القصيدة التي ألقاها المسترزق من الإمام الحسين عليه السلام
4
ابراهيم القصاب
[ القطيف ]: 20 / 6 / 2017م - 2:45 م
الاخ ابو احمد اليوتيوب مليان مقاطع غلو ثم تقول ان هذا غير منتشر !! يبدو انك غير مطلع على ما يجري في الساحة الفضائية
5
أبو أحمد
[ القطيف ]: 20 / 6 / 2017م - 9:37 م
المشكلة أن أغلب من تحدث عن المقطع لا يفهم حقيقة التوحيد والشرك والغلو..
أنصحكم بمشاهدة هذا التعليق..
https://m.youtube.com/watch?list=WL&v=rc7JMiSIGew
6
أبو عادل
[ القطيف ]: 21 / 6 / 2017م - 5:24 ص
لا يوجد غلو عند الشيعة هذه اتهامات يكررها اعداء الشيعة بدون دليل
من يدعي وجود غلو فعليه اثبات ذلك بالدليل وليس باطلاق الاتهامات بدون دليل
وانا اتعجب قصيدة لطم لباسم والشعر فيه مساحة خيالية كبيرة وتسامح صار عند الشيخ عقائد الشيعة فيها غلو
يا أخي أكتب مقال في نفس القصيدة ورد عليها رد علمي بدل ما تأخذها دريعة وتهاجم الشيعة مثل المتحجرين اعداء الشيعة من يسمع كلمة حتى لو من طفل شيعي على طول عممها على مذهب الشيعة
7
أبو محمد ?
21 / 6 / 2017م - 5:55 م
نفسي أعرف ولو واحد ممن أدعى لامام علي عليه السلام الربوبية ..!!؟

طبعا وفق منهج الصحيح لاخبار السليمة
صدق من قال بأنه أول مظلوم بعد النبي ..!؟
وما زال ..!!؟