آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ثقافة الإسكات

محمد أحمد التاروتي *

تختلف طرق اسكات الطرف الاخر، ومحاولة استقطابه للحصول على صوته، ودعمه، حيث تمثل الظروف السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، عوامل أساسية في اتخاذ الطريقة للشراء، او الاسكات، فالدخول الى الطرف المقابل يتطلب مفاتيح، ومقدمات، اذ من الصعوبة بمكان الاتصال المباشر، الامر الذي يفسر اللجؤ الى الوسطاء، لمحاولة ترتيب عملية المشاورات، بشكل غير مباشر، باعتبارها الفضلى لحفظ الوجوه لجميع الأطراف، لاسيما وان عملية الاتفاق تحتاج الى تقديم تنازلات، وتحقيق بعض مكاسب.

عملية التحرك لإسكات الطرف الاخر، مرتبطة بالقوة التي يتمتع، وقدرته على تخريب، او الأضرار بالمصالح الشخصية، للطرف المنافس، اذ لا يمكن تصور اقدام احد الأطراف، على مفاوضة طرف لايملك لنفسه حولا وقوة، فالضعيف لا يلتف اليه في الصراعات على اختلافها، بخلاف العناصر القوية التي تفرض نفسها على الواقع، سواء من الناحية السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية، نظرا لإدراك جميع الأطراف ضرورة الالتقاط، عند نقطة مشتركة للمحافظ على المكاسب على اقل المقادير، او محاولة اسكات الأطراف، مقابل الحصول على مغريات كبرى، مما يجعله يتوارى للظل عوضا من البقاء في الصفوف الأمامية، بمعنى اخر، فان بعض الأطراف تفضل السكوت، والتنازل عن الطموحات الاجتماعية، او السياسية، ومساندة الطرف المنافس، مقابل الحصول مكاسب عديدة، سواء كانت تلك المكاسب معلنة او سرية.

الضغوط الاقتصادية، وأحيانا السياسية، وأخرى الاجتماعية، تمثل ابرز الأوراق الرابحة التي تلعب بها بعض الأطراف القوية، لإسكات المنافسين، حيث تحاول من خلال استخدام هذه الأوراق تحقيق الانتصارات، وسحب البساط من تحت اقدام الأطراف ”المخربة“، فالسقف الزمني لهذه الأساليب مفتوح تبعا لمدى استجابة، وصمود الأطراف المنافسة، بمعنى اخر، فان بعض الأطراف تخور قواها منذ الجولة الأولى، بينما تصمد أطراف أخرى لعدة جولات، وثالثة تمتلك القدرة على الصمود حتى الجولة الأخيرة، الامر الذي يستدعي سرعة التحرك لضمان الانتصار، في حلبة الصراع القائم، من خلال وضع الخطط البديلة، والقادرة على التعاطي مع المستجدات، فالتراخي وعدم تغيير التكتيك، يمثل مؤشرا سلبيا في الصراع الدائر، مع الأطراف الأخرى.

هناك أطراف تسيل لعابها، امام بريق الذهب والفضة، وتوجد أطراف ترفع الراية البيضاء، امام المناصب السياسية، وثالثة لا تجد غضاضة في التحول للطرف الاخر، بمجرد الحصول على منصب اجتماعي، بمعنى اخر، فان المغريات المحركة لإسكات الأصوات الأخرى، ليست على مستوى واحد، الامر الذي يفسر اختلاف الأوراق، التي تلعب بها الأطراف ”المتضررة“، من استمرار الأصوات المعارضة، اذ تتكشف نوعية التنازلات المقدمة لها، بعد فترة قصيرة من التواري عن الساحة الاجتماعية.

سياسة اسكات الأصوات من السياسات، التي دأبت عليها البشرية، باعتبارها احدى الوسائل، للتفرد في الساحة، والقضاء على العناصر المزعجة، خصوصا وان التغاضي عن تلك الأصوات، يشكل تهديدا حقيقيا، على استمرار الإمساك بمقاليد الأمور، جراء وجود معارضة تجهر بصوتها الرافض، لطريقة معالجة بعض القضايا، والملفات الاجتماعية، الامر الذي يفسر قيام بعض الأطراف بعقد التحالفات، مع المعارضة لضمان سكوتها، والاستفادة من دعمها وقاعدتها الشعبية.

كاتب صحفي