آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:07 م

منارة الحدباء.. وتفجير أجياد

محمد أحمد التاروتي *

اقدم داعش خلال الأيام الثلاثة الماضية، على ارتكاب جريمتين، تضاف الى سلسلة الجرائم الفظيعة، التي كتبت في سجله الاجرامي، منذ بروزه على الساحة السياسية، كقوة إرهابية في المنطقة العربية، بعد احتلاله أجزاء واسعة، من سوريا والعراق، منذ ثلاث سنوات.

الجريمة الأولى، تمثلت في الأقدام على نسف منارة الحدباء التاريخية، في جامع النوري بالموصل، حيث تمثل هذه المنارة رمزا اثريا وإسلاميا، يتجاوز عدة قرون، فالإقدام على تفجير المنارة، ذات الرمزية الكبرى لاهالي الموصل، يهدف الى القضاء على التاريخ، والاستمرار في التخريب الممنهج، الذي بدأت عليه داعش منذ احتلالها، لمساحات جغرافية، في الكثير من الأراضي العراقية، والسورية، حيث قامت خلال السنوات الثلاث الماضية، بتدمير الاثار التاريخية في البلدين، فضلا عن سرقة الكثير من تلك الاثار، وبيعها في السوق السوداء، لتمويل الكثير من عملياتها الإرهابية، التي توسعت لتشمل الكثير من الدول العالمية.

اما الجريمة الثانية، فتمثلت في العملية الإرهابية، التي ارتكبها داعش في مكة المكرمة، فالعملية رغم إحباطها، عبر الضربة الاستباقية، للأجهزة الأمنية، فان مجرد التفكير في استهداف البيت الحرام، وانتهاك حرمته، عبر إراقة الدماء في أقدس بقاع الأرض،، يسقط جميع الأقنعة، التي يتوارى خلفها التنظيم الإرهابي، برفع رأية التوحيد التي يتخذها شعارا في جميع أدبياته، وخطاباته السياسية.

الجريمتان رغم تباعد المسافة الجغرافية، فان القاسم المشترك بينهما، يتمثل في التحرك الممنهج للتنظيم الإرهابي، في إسقاط جميع الخطوط الحمراء، عبر التعدي على بيوت الله، والاستمرار في استباحة الدماء، سواء المصلين او المسالمين، اذ دأب تنظيم داعش على خداع الشباب، في العالم الإسلامي، بشعارات براقة، لاستقطاب اكبر شريحة، خصوصا وانه يمتلك مكانة إعلامية ضخمة، في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكنه من تخدير الشباب، بشعارات سرعان ما ينكشف زيفها.

الأمم على اختلافها تفتخر بمبادئها الدينية، وتاريخها العريق، فهي تتحرك للمحافظة على تلك المكتسبات، عبر تسخير الكثير من الإمكانيات، لتجذيرها في مجتمعاتها، خصوصا وان المبادئ الدينية، ترسم الطريق الصحيح امام المجتمعات، لاسيما وان الاخلاق فالفاضلة والممارسات العبادية، تسهم تشذيب العلاقات الإنسانية، سواء على الصعيد الذاتي او الخارجي، كما ان التاريخ يحكي قصة الأمم للأجيال اللاحقة، فالشعوب التي تدمر تاريخها، تكتب نهايتها بيدها، الامر الذي يفسر حرص البلدان على الاحتفاظ، بالإرث التاريخي، وتخصيص الموارد المالية الضخمة، لإبرازه بالصورة المطلوبة امام الأمم الأخرى.

داعش باعتبارها حركة طارئة، في التاريخ الحديث، فانها تحاول حرق جميع المراكب، التي تستخدمها الشعوب العربية، في مسيرتها الثقافية منذ عقود عديدة، بشعارات زائفة، الامر الذي يفسر الجرأة الكبيرة، على ارتكاب حماقات، وجرائم كبرى بحق البيئات، التي تعيش فيها، وتجاه البشرية جمعاء، فالتحرك باتجاه نسف المبادئ الأخلاقية الفاضلة، يؤسس لانتشار الفوضى، وسيطرة قانون الغاب، وجميع الاعمال الطالحة، اذ ينطلق داعش من ممارساته الاجرامية، لأحداث ردات فعل عنيفة تجاه الدين، لما تمثله داعش من واجهة دينية، امام المجتمعات البشرية.

كاتب صحفي