آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

ثقافة المكابرة

محمد أحمد التاروتي *

الإصرار على المواقف المستندة على المعطيات السليمة امر مطلوب، باعتبارها وسيلة لقطع الطريق امام سيطرة أصحاب الغايات المشبوهة، على المشهد الاجتماعي، خصوصا وان التمسك بالموقف يعطي المرء قيمة، على الصعيد الشخصي والاجتماعي في الوقت نفسه، فأصحاب المواقف الثابتة يشار لهم بالبنان، بخلاف عديمي المواقف الذين يعيشون في الظل، او على الهامش في المجتمعات البشرية.

تبني الموقف ليس هدفا بحد ذاته، فهناك اختلاف كبير بين الموقف المنطلق من المبادئ الأخلاقية، والاّراء السديدة، وبين الموقف القائم على المصالح الشخصية، والمبادئ الباطلة، التي تهلك صاحبها، وتدخله في نفق مظلم على الصعيد الشخصي، والاجتماعي في الوقت نفسه.

الإيمان بالقناعات على اختلافها، سواء كانت منسجمة مع العقل، او المنطلقة من الاهواء، والنفس الامارة بالسوء، تلك القناعات تمثل المحرك الأساس وراء التمسك بالمواقف، تجاه مختلف القضايا سواء الدينية، او الاجتماعية، فالبعض يدافع عن انحيازاته الحياتية، مستندا على القناعات العقدية، والفكرية، التي يناضل في سبيل ترجمتها، على ارض الواقع.

ثقافة المكابرة، في كثير من الأوقات، تنطلق من مواقف مختلفة، بعضها ذات اثر إيجابي، والأخرى ذات تداعيات سلبية، فالمكابرة في سبيل الخير والصلاح، يرفع من قيمة أصحابها، نظرا لما تمثله تلك المكابرة من انعكاسات، على الصعيد الاجتماعي، فيما تكون المكابرة في طريق الشر، والفساد، وسيلة لتدمير المجتمع، ونشر الممارسات السيئة، فضلا عن قتل الذات.

الوقوف عند نقطة محددة، وعدم التنازل عنها، لا تدل على القوة في بعض القضايا، والملفات المصيرية والمبدئية، اذ يمكن ان تكون منطلقة من مخاوف حقيقية، بخسارة الموقع، والمكاسب الاجتماعية، خصوصا وان التنازل بصوابية الطرف الاخر، يسهم في تعرية أصحابها، وانكشاف هشاشة القناعات، التي كانوا يدافعون عنها خلال الفترة الماضية، الامر الذي يسهم في سحب البساط، من تحت الأقدام، وترك الساحة للطرف الاخر، بمعنى اخر، فان التنازل عن المبادئ، والقناعات الفكرية، التي كانت تتصدر المشهد الثقافي، في الفترة الماضية، يمثل كارثة كبرى لحملتها، ويفقدها القاعدة الشعبية، والأضواء الإعلامية، بشكل جزئي او نهائي.

التاريخ يتحدث عن مواقف متعنتة، او متصلبة، أودت بأصحابها الى مزبلة التاريخ، والخسران في الدنيا والآخرة، حيث ينقل القرآن الكريم الحوار الصريح، والعقلي، بين نبي الله نوح مع ابنه، حينما بدأ الطوفان يطمس كافة الأماكن، فقد حاول النبي نوح إقناع الابن، على الركوب في سفينة الجناة، عبر ترك الكفر والإيمان بالله، والابتعاد عن المكابرة، بيد ان تلك المحاولات باءت بالفشل، جراء التمسك بالموقف الخاطئ، واختيار سبيل المكابرة، في طريق الغي، على سلوك طريق النجاة والصلاح، ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ «*» قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ «*» وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

كاتب صحفي