آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

التخفف من الماضي وبناء الهوية المنفتحة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

لا أجد غضاضة في الكلام عن أدق الخصوصيات في حياتي اليومية. هذا ما اكتشفت أهميته بالنسبة للفرد الذي يريد أن يخفف من أثقال التاريخ على عاتقه، وأن لا تعيقه عقد الماضي الذي ترزح حكاياته وقصصه ومعتقداته بين جدران أذهاننا وأنفسنا في الانطلاق إلى التواصل والتعارف مع الآخرين من بني البشر مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ومعتقداتهم. 

ألم يقل القرآن الكريم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ثقافة العصر إحدى أهم ميزاتها الكبرى تتجلى في الاكتشاف والمغامرة في العالم، والإرادة والفضول في التعرف على كل شيء، وليس التعرف عليه فقط، بل فهمه واستيعابه. هذه الحالة التي تتلبس الإنسان المعاصر تكمن خلفها رغبة جارفة لا تتوقف ولا تهدأ كالموج العاتي كلما هدأ ثار من جديد بأشد مما سبق، والسر الذي يرفد هذا الفضول والإرادة والرغبة في المعرفة هو تطور تقنيات الاتصالات الحديثة التي غيرت شكل الحياة في جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، وأتاحت للإنسان في حاضره ما لم تتح له مثل هذا التغير في ماضيه أبدا، هذا التوق إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون بدءا من الإنسان وانتهاء بأبعد كوكب عن الكرة الأرضية. لذلك قلت إنني لا أجد غضاضة في الحديث عن خصوصياتي. والسؤال هنا ما علاقة هذه بتلك؟ هنا مربط الفرس الذي أريد الحديث عنه الآن. 

أولا - لا أحد في المجتمعات المعاصرة لا يكون مرئيا في عصر انتشرت فيه ثقافة الصورة، وكل إنسان عندما يكون مرئيا لابد أن تكون صورة حياته ولو جزئيا على أقل تقدير متاحة للمشاهدة للجميع. ثانيا - هذا يحدث مع البشر العاديين الذين لم يتح لهم في الماضي أن يخرجوا من ظل التاريخ إلى النور، وأن يتكلموا أيضا. ناهيك بالطبع عن مجاميع المشاهير في عالم الرياضة والموضة والفن السينمائي والغنائي والتمثيل، وعالم الفكر والسياسة. ثالثا - حينما نسأل أنفسنا مع المؤرخين ما الطريقة المثلى لاستيعاب هؤلاء البشر عندما يكونون مرئيين أمام الآخرين؟ لا شيء يحقق ذلك، سوى الحديث عن السيرة الذاتية والتوغل في متاهاتها ومنابعها وفتح الأقفال السرية الكامنة خلف أبوابها. وهذا ما تحققه كتابة الرواية والسرد والقص: التخفف من الماضي، وبناء الهوية المنفتحة.