آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

تقديس النصوص وليس الأشخاص

محمد الحرز * صحيفة اليوم

أسوأ الأمور حين تحدث في العالم تحدث بالتزامن معها أمور جيدة. هذا التزامن يكاد يكون قانونا طبيعيا يحكم حياة البشر في هذه الحياة. فليس هناك شر مطلق وليس هناك خير مطلق، ثمة اشتباك بينهما لا ينفك يحرك سلوك الناس وأفعالهم سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي. جميع الفلسفات والنظريات الاجتماعية والأديان تؤكد على هذه الطبيعة المزدوجة رغم ما بينها من اختلافات في المصطلح واللغة والأهداف والوظائف والغايات.

أقول هذا الكلام لأوضح حقيقة جد مهمة تتعلق بعلاقة أبناء الأمة العربية الإسلامية في لحظتها الراهنة بماضيها أو تاريخها العريق. أهم هذه الحقائق على الإطلاق تكريس قدسية الماضي، وانحسار النظرة النقدية الفاحصة.

قد يبدو للوهلة الأولى عند الكثير من القراء أن هذه المقولة قد أشبعت بحثا وتحليلا باعتبارها مقولة مركزية في التنوير والنهوض عند جل المفكرين والكتاب العرب وغير العرب منذ عصر النهضة إلى الوقت الحاضر. لذلك لا شيء جديد يمكن أن يطرح استنادا إلى تلك المقولة، فالوضع العربي حاليا على جميع الصعد والمستويات من سيئ إلى أسوأ: حروب وفتن وجهل وتعصب وكراهية، بحيث لم تؤثر فيه تلك المقولة لا في سلوكه ولا في قيمه، وعليه يتم التشكيك بجدوى مناقشة مثل هذه المقولة، فضلا عن أهميتها كمقولة مركزية في سياق النهوض، فالذين يحتجون بهذا الكلام يرون أن كل المجتمعات تقدس ماضيها وتحتفل به ولا يوجد مجتمع خارج هذا الإطار. فلماذا إذن فقط العرب المسلمون هم الذين ينبغي أن يتخلصوا من تقديس ماضيهم كشرط للتنوير؟!

تحت مجهر هذا السؤال أصل إلى جوهر المسألة. جل الباحثين الذين قاربوا تلك المقولة نظروا إليها من جهة نقد تقديس النصوص وأهملوا جهة نقد تقديس الأشخاص، متأثرين بالمرحلة التاريخية التي مر بها الغرب المسيحي في نقده لكتبه المقدسة. هذا فضلا عن أن فكرة التقديس لم تتحرر من هذا الارتباط. من هنا تصبح إجابة السؤال في حكم الوضوح، فالمجتمعات الأخرى لا تقدس الأشخاص بقدر ما تقدس موروثها من الكتب المقدسة وغيرها، ناهيك عن أن فكرة التقديس لرموزها التاريخية ارتبطت بفكرة جمالية أو كأيقونة مشعة وليست معيارا في السلوك أو القيم. هذا الجوهر من المسألة يعود بنا إلى الفكرة التي صدرت بها المقالة. فمن أخطر النتائج التي نهضت من أسباب عن عدم التفريق نقديا بين تقديس النصوص وتقديس الأشخاص في ماضينا نشوء داعش وأخواتها لأن أمثال هؤلاء يرون الحق المطلق يتجسد في أشخاص والعكس صحيح بالنسبة للشر المطلق.