آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

ثقافة الكلام

محمد أحمد التاروتي *

هناك بون شاسع بين القول والفعل، فالبعض يمارس ”العنتريات“ في المجالس الخاصة، وفي العالم الافتراضي الواسع، لكنه سرعان ما يتحول حمل وديع في ساعة الجد والمطالبة بترجمة الاقوال الى أفعال على ارض الواقع، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“ و”هذا الميدان يا حميدان“.

إطلاق التهديدات النارية، في جميع الاتجاهات عملية سهلة، بيد ان المشكلة تكمن في القدرة، على الالتزام بتلك التهديدات عند المواجهة، فالبعض يتملص من أقواله السابقة، عند ساعة الحقيقة بمختلف المبررات، مما يفقده المصداقية امام الاخرين، نظرا لتهربه من تحمل مسؤولية كلامه السابق، مما يترتب عليه فقدان القاعدة الشعبية، التي تشكل الرافعة الحقيقية في المجتمع، ”الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فرب كلمة سلبت نعمة“.

عملية التهرب من مسؤولية المواقف الكلامية، مرتبطة بالثقافة التي يحملها أصحابها، فإذا كانت تنطلق من المبادئ الحقة، واعتماد الصدق، وعدم استخدام المواقف للتسلق على رقاب الاخرين، فان أصحاب تلك المواقف يقدمون الانفس، في سبيل الدفاع عن تلك المبادئ، التي يدافعون عنها، بحيث يتحملون شتى أنواع الاضطهاد، والتنكيل دون التراجع قيد انملة، اذ يتحدث التاريخ عن شخصيات، تقدمت صفوف المواجهة الدامية، في سبيل الدفاع عن المبادئ الصادقة، حيث يمثل الأنبياء والرسل، انموذج حي في ترجمة الاقوال بالافعال.

بينما يتوارى أصحاب المواقف الكاذبة، في الصفوف الخلفية هربا من المواجهة، نظرا لعدم امتلاك القناعة الراسخة، بالمواقف التي يوزعنها في شتى الأفعال، لأغراض شخصية، وتحقيق مكاسب سياسية، ”ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون“، حيث تمثل هذه الشخصية نموذجا واضحا، في استخدام الظروف السياسية، لتحقيق المكاسب السياسية.

ربط الاقوال بالافعال ممارسة، ليست متاحة للجميع، فالعملية تتطلب وجود مقومات، وصفات نادرة، ولعل أبزرها الشجاعة في القول والفعل، فاطلاق الاقوال على اختلافها متاحة للجميع، بيد ان الصعوبة تكمن في القدرة على التمسك بتلك الاقوال، ومقاومة الضغوط النفسية، والجسدية، والصمود، امام مختلف المغريات، خصوصا وان الجهات المتضررة تسعى لتخريب المشروع، من خلال التخطيط للهجوم المضادة مرة، ومحاولة الاستقطاب تارة أخرى، وتقديم المغريات المادية والاجتماعية مرة ثالثة، وبالتالي فان فقدان الشجاعة والإرادة الصلبة، يمثل العدو الأول وراء التراجع عن المواقف السابقة، فالبعض لا يجد مناصا من ”الكفر“ بجميع المبادئ، التي يحملها بمجرد رؤية السيف على الرقبة، بينما البعض الاخر يعتبر التضحية بالنفس، ثمن رخيص في سبيل الالتزام بالكلمة التي يحملها.

القيادات الاجتماعية التي تقرن القول بالفعل، تستطيع تجاوز الصعاب وفتح الطريق بالارادة الصعبة، خصوصا وان القاعدة الشعبية لا تتوانى عن ركوب الصعاب، عندما تلمس الصدق، في ممارسات الشخصيات المتصدية للعمل الاجتماعي، فالتواجد في الصفوف الأمامية يشجع الاخرين على العمل بإخلاص، فالتاريخ لا يرحم على الاطلاق، حيث يعمد لانصاف القيادات الصادقة، من خلال تسجيل المواقف المختلفة، التي تترجم الشعارات على ارض الواقع، بمعنى اخر، فان محاولة ممارسة الخداع والتملص، من تحمل المسؤولية، تكون مكاسبها انية سرعان ما تنكشف، وتبقى اثارها عارا على أصحابها.

كاتب صحفي