آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

ثقافة الوقت

محمد أحمد التاروتي *

تختلف نظرة المرء للوقت، باختلاف الثقافة التي يمتلكها، والهدف الذي يتحرك في دائرته، فكلما كانت المرتكزات الفكرية حريصة، على استثمار الفسحة الزمنية القصيرة، في الحياة، كلما انعكست بصورة واضحة على الية التعاطي مع الوقت، بخلاف الانسان الذي يتعاطى مع الزمن بنظرة سطحية وعبثية، مما يجعله غير مكترث لأهمية الزمن لتحقيق الأهداف الدنيوية، والأخروية في الوقت نفسه.

عملية استثمار الوقت مرتبطة، بنوعية الثقافة التي يحملها المرء، اذ تلعب البيئة الاجتماعية دورا حيويا، في تشكيل الالية المتبعة في التعاطي مع الزمن، فالبيئات التي تحترم الوقت والحرص على استثماره بطريقة مثالية، تخلق جيلا محركا للزمن، وليس متحركا داخله، بمعنى اخر، فان المجتمعات المتحضرة، تختلف نظرتها للوقت عن الشعوب المتخلفة، فالدقائق تعني الكثير بالنسبة للشعوب المتقدمة، فيما الساعات لا تحرك ساكنا في المجتمعات المتخلفة، اذ يمكن تلمس الاختلاف بين تلك الثقافات في المواعيد على اختلافها، فالمواعيد في البلدان المتقدمة مقدسة ومحترمة، بخلاف المواعيد في البلدان المتخلفة.

العاقل يمتلك الأدوات اللازمة، لتطويع الزمن لصالحه، من خلال وضع الأمور في النصاب الصحيح، خصوصا وان الوقت الذي يذهب لا يعود على الاطلاق، ”ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له: أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل في خيرا واعمل خيرا، فإنك لن تراني بعد أبدا“، بمعنى فان استثمار الوقت دلالة على رجحان العقل، والتفريط في العمر يقود الخسران والضياع، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف المرسومة، لاسيما وان كل إنسان يمتلك مجموعة من الأهداف، يتحرك باتجاهها عبر مختلف الوسائل، لإنجازها باعتبارها جزء أساسي، لارضاء الذات.

زرع استثمار الوقت، ينطلق من الذات، والحرص على الإنتاج، وعدم إضاعة الزمن، في البحث عن قضايا وأمور هامشية، فالزمن فرصة ذهبية يصعب تعويضها، مما يفرض على المرء خلق الظروف المناسبة، لتسخير الزمن لصالحه، الامر الذي يفسر اختلاف الكبير بين البشر في تحقيق الإنجازات، والوصول القمة، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، بمعنى اخر، فان الجد والتعب في الحياة، ينعكس بصورة مباشرة، على مكانته الاجتماعية، خصوصا وان المجتمعات البشرية، لا تحترم سوى الشخصيات الناجحة، وتتجاهل الشخصيات الفاشلة.

بالإضافة لذلك، فان المجتمع يمثل عنصرا أساسيا، في تكوين النواة الأولى، لاستثمار الوقت، فالمرء الذي يعيش في بيئة تقدر الزمن، وتحرص على تحريكه، بالاتجاه الصحيح، تتولد لديه مسؤولية منذ منذ نعومة أظافره، مما ينعكس على وضع برنامج متكامل، وصارم طيلة الحياة، الامر الذي يتحول الى ثقافة يومية، وليست ممارسات موسمية سرعان ما تختفي، بمعنى اخر، فان المرء الذي يتربى في بيئة تقدس الوقت، يختلف عن نظيره الذي يشب، في محيط لا يعرف للوقت قيمة، فالأول يستثمر الحياة فيما يعود عليه بالفائدة، والمجتمع بالمنفعة، بينما يولد ويموت دون يلتف اليه احد، نظرا لعدم قدرته على نفع نفسه، فضلا عن انتفاع المجتمع بوجوده، ”الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك“.

كاتب صحفي