آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

ثقافة العبث

محمد أحمد التاروتي *

تقاس مكانة المرء بمدى تحمله للمسؤولية، والابتعاد عن سفاسف الأمور، والتركيز على أمهات القضايا، فالمرء يطير بهمته كما يطير الطائر بجناحيه، فكلما اخترق المرء جدار القضايا التافهة، باتجاه الملفات الكبرى، كلما ارتقى درجات عالية في سلم المحيط الاجتماعي، لاسيما وان استلام زمام المبادرة، يمثل أولى الخطوات لصعود سلم المجد الاجتماعي، بمعنى اخر، فان الانسان الذي يحبس نفسه في شرنقة التوافه، لا يحصد سوى التهميش، وعدم الاهتمام من البيئة الاجتماعية.

الثقافة تمثل الوقود الذي يحرك المرء، باتجاه اختيار نوعية القضايا، سواء كانت هامشية او مركزية، فالانسان الذي يتطلع للوصول الى القمة، واحتلال المواقع المتقدمة، يحرص على ركوب الصعاب، وعدم الالتفات الى العراقيل، التي تعرض طريقه، خصوصا وان طريق المجد محفوف بمختلف الأفخاخ المادية والمعنوية، وبالتالي فان الاستسلام لتلك الصعاب في بداية الطريق، يحول دون الوصول الى النهاية، لاسيما وان الكثير من الأفخاخ تكون وهمية، او غير حقيقية على الاطلاق، ”إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه“، بمعنى اخر، فان المخاوف تشكل اكبر عائق، لتحقيق النجاحات في الحياة، ”فاز باللذات من كان جسورا“.

اختيار الملفات الكبرى، عملية ليست متاحة للجميع، فهناك أطراف تحاول لعب أدوار، تتجاوز مداركها العقلية، جراء محدودية تفكيرها، او قصر النظر للتداعيات المترتبة على اختيار تلك الملفات الضخمة، الامر الذي يدخلها في نفق مظلم، يصعب عليها الخروج منه بسلام، وبالتالي فان تحاول ممارسة أدوار متعددة، وغير متوازنة لتغطية فشلها الذريع، بيد ان الاستمرار في التخبط يفقدها المكانة، التي تحاول الحصول عليها، خصوصا وان الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها في التعاطي مع الملفات المصيرية، يصعب تجاوزها او التغاضي عنها، ”قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ“.

المؤهلات الذاتية، والقدرة على التوازن في المواقف، بمثابة طوق النجاة، لمنع الانحدار السريع، وممارسة العبث في الملفات المركزية، فهناك مواصفات خاصة يمتلكها البعض تحول دون ارتكاب أخطاء فادحة، اثناء الانخراط في القضايا المصيرية، الامر الذي يفسر السقوط السريع للبعض، والصعود الثابت للبعض الاخر، فالعملية ليست مرتبطة بالحظ، بقدر ارتباطها بطريقة التعاطي مع تلك الملفات الضخمة، لاسيما وان الانخراط في تلك القضايا، يتطلب دراسة كل خطوة بعناية فائقة، فالخطأ غير مقبول على الاطلاق، نظرا لكون تلك الملفات مرتبطة، بمصير كيانات اجتماعية، مما يستدعي وضع الأمور في نصابها.

التصدي لحمل الملفات الكبرى، يستدعي العمل الجاد، والابتعاد عن العبث بمصائر الاخرين، خصوصا وان التداعيات المترتبة، على انتشار ثقافة العبث خطيرة وكبيرة، الامر الذي يتطلب تحمل قدرا كبيرا من المسؤولية، عوضا من انتهاج سياسية اللامبالاة، وعدم تقدير الأمور، لاسيما وان البعض غير قادرة على الرؤية تماما، او الرؤية بمسافة لا تتجاوز قدميه، في أحسن الأحوال، المشكلة تكمن في فقدان الرؤية السليمة، القادرة على انارة الدرب، باتجاه الطريق الصائب.

كاتب صحفي