آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الإدمان والإقصاء الاجتماعي

الدكتورة فضيلة العوامي *

يتبادر سؤال إلى ذهني؟

بالرغم من أن بعض المرضى في المستشفيات بعد الكسور أو بعد العمليات الجراحيه يتم إعطائهم أقوى أنواع المورفين الخالي من الشوائب الموجودة في هيروين الطرقات إلا أنهم لايخرجون من المستشفى مدمني مورفين أو مدمني مخدرات!!

ترى ماهو السبب؟

في بدايات القرن الماضي أُجريت الكثير من الدراسات على البشر وعلى الحيوانات الهدف منها هو دراسه ظاهره الإدمان

إحدى هذه التجارب هي تجربة الفأر في القفص!!

حيث تم أخذ فأر وحبسه في قفص ووضع له في القفص إنبوبتان وتم ربطهما بالسوائل

إحداهما تم توصيله بالماء إما الأُخرى فقد تم توصيله بماء مخلوط بماده الهيروئين أو بماده الكوكائين

في كل مره كانت تعاد فيها هذه التجربة تكون النتيجه هي نفسها وهي أن الفأر يشرب من الماء المخلوط بالماده المخدره بكثره إلى أن يموت بسبب تعاطيه تلك المخدرات

لكن مماغير في تلك النتائج وأثار التساؤلات هو البروفسور بروس ألكسندر المتخصص في علم النفس في فانكوفر بكندا عندما أعاد تجربه الفأر المحبوس في القفص في عام 1917م

حيث لاحظ أن ذلك الفأر المسكين هو وحيد في القفص ليس لديه شيء يشغله ويسليه سوى إستخدام المخدرات

ففكر ذلك العالِم مالذي سيحدث ياترى لو غيرنا الظروف المحيطه بذلك القفص؟

فقام ببناء مدينه ترفيهية صغيره وملئها بالألعاب المختلفة وبالكثير من الفئران لكي يلعبوا ويختلطوا ويكونوا علاقات مع بعضهم البعض

ثم بوضع لهم ذات الإنبوبين، إنبوب الماء الصافي وإنبوب الماء المخلوط بالمخدرات.

فكانت نتيجه تلك التجربة مذهله جداً حيث وجد أن الفئران نادراً ماتشرب من الماء المخلوط بالمخدرات ولم يستخدمه أي فأر منهم بشغف ولم يمت أي فأر بسبب الإفراط في الجرعه.

هذا بالنسبه للفئران

لكن ماذا عن الإنسان هل ينجح هدا النوع من التجارب على بني البشر؟

وهل هناك تجارب مماثله أُجريت على البشر؟

نعم فخلال الحرب الفيتنامية الأمريكيه وُجد أن 20 ٪‏ من الجنود الأمريكيين كانوا يتعاطون الهيروئين أثناء الحرب وكانت هناك الكثير من المخاوف بسبب عوده ذلك الكم الهائل من المدمنين إلى أوطانهم بعد نهايه الحرب لا أن النتائج كانت مخالفه للتوقعات حيث بينت الدراسات التي تابعت حاله هؤلاء المرضى أن 95٪‏ منهم أقلعوا عن التعاطي حال عودتهم إلى أرض الوطن وبدون حتى أن يطلبوا مساعده مراكز التأهيل والمستشفيات ولم يعانوا حتى من الأعراض الأنسحابيه للمخدرات

فنظرية الدكتور ألكساندرا تقول أن الشخص الذي يوضع في ظروف صعبه كظروف الغابه المخيفه التي كان بها جنود فيتنام لابد وأن يتعلق بالمخدرات

لكنه لو كان بين أهله وأحبته وحياته المستقرة فلن يحتاج إلى أن يتعلق بالمخدرات وهذا نفس ماحدث للفأر الذي أُخرج من القفص ووضع في مدينه ألعاب مليئة بالمرح والاصدقاء فلم يعد بحاجه للبحث عن السعاده بطرق ملتوية أو إلى تعاطي المخدرات

خلق الله الإنسان ليكون مخلوق إجتماعي بطبعه يحب التواصل مع الناس وهي فطره فطره الله عليها، فعندما نكون سعداء وأصحاء نتفاعل مع البشر من حولنا بشكل طبيعي

لكن عندما لانستطيع التفاعل مع البشر بسبب مانعاني منه من مشاكل أو بسبب صدمات الحياه التي نتعرض لها أو بسبب العزله الإجتماعيه التي فرضت علينا يؤدي ذلك بِنَا إلى البحث عن بديل للتواصل الإجتماعي البشري

ومحاوله الارتباط والبحث عن السعاده في شيء آخر ليعوض النقص الذي حدث لنا فنسعى إلى الإرتباط بما هو بديل ومثال ذلك: إدمان الإنترنت، إدمان الأفلام الإباحيه، إدمان ألعاب الفيديو، القمار أو حتى المخدرات لكننا سترتبط بشيء ما حتماً لأن الإرتباط هو طبيعتنا البشرية

لذى إحدى طرق معالجه الإدمان هو تغيير الطريق والمسار الخاطئ الذي مشينا فيه والتحرر من الروابط الغير صحيه

وإستبدالها بروابط بشريه حقيقيه والتواجد في محيط البشر اللذين نحب أن تكون معهم ويحبوا أن يكونوا معنا

الإدمان ماهو إلا أحد أعراض الأنفصال عن المجتمع والذي أزدادت شدته بعد الثوره التكنلوجيه في العالم

فالدراسات في أمريكا بينت أنه منذ عام 1950م عدد أصدقاء الناس أصبح في تناقص بالمقابل مساحات البيوت أصبحت أكبر فقد أختار الإنسان الحديث أن يسكن بيوتاً أكبر لكنها خاليه من الحب والتواصل والتفاعل الإجتماعي.

وبدل أن نساعد البشر على التعافي والعيش معاً إتخذنا من الإقصاء إسلوب حياه مما صعب على الكثير من الناس حياتهم وقلل من إستقرارهم حتى الحصول على وظيفه ومصدر رزق كريم صعبناه علىهم صرنا نضع الناس في أقفاص تجعلهم يشعرون أن حياتهم أسوء خاصه المدمنين منهم ولم يجدوا سبيلاً للراحه سوى المخدرات وجعلنا من حياتهم كحياه ذلك الفأر في ذلك القفص.

لذى قبل أن نتحدث عن التعافي الفردي لما لانتحدث عن التعافي في المجتمع ككل بما أننا جميعاً نعيش في سفينه واحده ولو غرقت تلك السفينه ستغرق بجميع من فيها.

هل نحن عاجزون عن بناء مجتمع مشابه لتلك المدينه التي عاش فيها الفئران سعداء يتشاركون فيها المرح والسعاده

ولنعلم جميعاً أنه ليس دائماً عكس الإدمان التعافي بل قد يكون عكس الإدمان هو التواصل والترابط الإجتماعي.

من وحي كتاب:

‏chasing the scream
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Ali
[ القطيف ]: 5 / 8 / 2017م - 6:38 م
ممتاز جداً دكتورة ماشاء الله عليش
كيف يمكننا ان نتواصل مع الدكتورة؟؟
طبيبة نفسية متخصصة في علاج الادمان