آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الحج بين العبادة والتسييس

جعفر الشايب *

كبقية الشعائر الدينية الأخرى، هناك من يرى أن الحج عمل عبادي خالص لا شأن له بالسياسة ومتغيراتها، بينما ترى فئة أخرى أن العبادات ومن بينها الحج ينبغي أن تتحول لمنصة عرض للقضايا والمواقف السياسية المختلفة ولحشد المؤيدين والأنصار والأتباع حولها. ومن خلال استعراض التجارب السابقة في هذا المجال ثبت أن تحويل الحج إلى برنامج سياسي يقود إلى نقل واشعال فتيل الخلافات السياسية بين الناس في أجواء ينبغي أن تسودها الروحانية لتأدية المناسك بهدوء واطمئنان.

لعل هناك ما يبرر لدى بعض هؤلاء توظيف الشعائر العبادية سياسيا في ظل سيطرة أمنية محكومة في بلدانهم تسمح لهم بتوجيه هذا العمل بالطريقة التي تناسبهم، أما القيام بذلك في بيئة يجتمع فيها الملايين من مختلف أقطار العالم بثقافات وخلفيات متنوعة، وفي وضع يتحتم ضمان الأمن والسلامة كأولوية للحجاج فإن الإصرار على التسييس يعد تهورا ليس في مكانه.

يتعلق هذا الأمر أيضا في التداخل بين العبادة والسيادة، حيث أن أي دولة من الدول تضع ضوابط وأنظمة وقوانين يلتزم بها زوارها والقادمون إليها، ومن حقها أن تتخذ الإجراءات المناسبة تجاه من يخالف تلك الأنظمة أو لا يلتزم بها.

وفي ظل الأزمات والتوترات المتفاقمة في المنطقة، فإن تحويلها إلى موسم الحج سيعقد من العلاقات البينية ويحول فريضة الحج إلى مكان لتصفية الحسابات بين الخصوم بدلا من أن يكون مناسبة للوحدة والأخوة والتلاقي بين المسلمين. والأنكى من ذلك كله استخدام الحج كوسيلة ضغط بمنع الحجاج من بلد معين من تأدية هذا الفرض تحت مبررات وحجج مختلفة بينها توتر العلاقات مع البلد المضيف بغرض الإحراج والضغط السياسي.

من المهم العودة للمفهوم الأساسي للحج باعتباره عملا عباديا خالصا، ينبغي أن يصفى من أي فعل سياسي وأن يترك الحجاج ليؤدوا هذه الفريضة الواجية في أمن وأمان بعيدا عن أي شعارات وتجاذبات منفرة ومستفزة، وأن يتحول الخطاب العام المتداول في موسم الحج إلى تثقيف وتوعية عبادية، وليس تعبأة وتحشيد لمواقف سياسية معينة.

ما يريده الحجاج هو أن تتاح لهم الفرصة لإكمال أعمال الحج بيسر وأمان وسلامة، ولعل أكثرهم لا تتاح لهم فرصة العودة مرة أخرى إلى الديار المقدسة، فهم يسعون لإتمام حجهم دون أي ضوضاء.