آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

كيف يمكنُ فهمُ العلمانية بعيداً عن نزاعاتها!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

دائما ما تحضر العلمانية في الخطابات المتداولة عربيا، كمفردة جدلية، في الصراعات الدائرة ما بين التيارات المختلفة، الإسلامية منها والليبرالية. وهو الأمر الذي جعل من ”العلمانية“ موضوعا للتجاذب السياسي والحزبي، أكثر منها محل نقاش معرفي تحديثي.

هذا التداول رغم كثافته، إلا أنه يُضمر بداخله تسطيحا معرفيا، يخلُ بالفهم الدقيق والعلمي لـ ”العلمانية“ ومعانيها وتمثلاتها، وسياق نشأتها التاريخي والفلسفي.

يمكن إجراء اختبار بسيط، أن تسأل مجموعة من المتحاورين في أي مجلس عن معنى العلمانية، أو ماذا تعني لهم، أو تفسيرا لمواقفهم الإيجابية أو السلبية منها. سيجد المرء كما كبيرا من الثرثرة التي لا تمت بأي صلة لهذا المصطلح الفلسفي الدقيق والبالغ الأهمية، والذي ساهم عبر أنظمة وتشريعات في بناء الدولة المدنية الحديثة في أوربا.

هنالك استخدام نفعي وأيديولوجي لـ ”العلمنة“، إما للتلويح بها كنقيض لـ ”الدين“ لتخويف الناس منها. أو تسويقها كمنهجية سهلة تخفف المرء من أعباء التدين!. وكلا هذين الاستخدامين ينمان عن عقلية السوق الشعبوية والجاهلة في آن معا!.

العلمانية ليست مفهوما جامدا، بقي كما هو منذ نشأته حتى الساعة. وإنما حصل له كثير من التطور الذي جاء نتيجة للتجارب العملية في بناء الدولة والمجتمع، والنقاشات التي تجري بين الفلاسفة والعلماء، وخصوصا في قضايا هامة في حقلي علم الاجتماع السياسي، وعلم اللاهوت الديني.

إن العلمانية لها أفهام متعددة، والتي هي في أحد جوانبها المتعالقة بالتحديث الليبرالي، تعنى بتنظيم حضور الدين في المجال العام وحدوده. أي أنها تحاول أن تمنع سطوة الأدلوجة من أن تطغى على عامة الناس، لتحافظ بذلك على قيمتين أساسيتين: فردانية الإنسان، ومدنية الدولة. دون أن تكون في ذات الوقت نقيضا للدين أو نافية له.

على العكس من الصورة النمطية عربيا، فإن العلمانية تحفظ للمؤمنين واتباع الأديان حقهم التام فيما يعتقدون به، بل تحميهم بقوة القانون، وتكفل لهم حرية المعتقد، وحرية التعبير عنه، وحرية ممارسة شعائرهم.

العلمانية لا يمكنها أن تمنع على الفرد إيمانه، لأن جوهرها الاختيار الذاتي، والحرية الفردية التامة. إنما تنظم الاشتباك والتداخل بين الدين والمجال العام. بحيث يكون لكل هوية حقها في الظهور، دون أن تكون قاهرة للآخرين، أو نافية للتعدد.

وعليه، فلن تجد نزاعا بين العلمانية والدين الفردي، أو حتى الهوية الدينية الجماعية. إنما هنالك تناقضٌ بين العلمانية، والأصولية الدينية والإسلام السياسي، كونهما أدلوجتان لديهما مشروعات سياسية واجتماعية حياتية مختلفة، لا تؤمن بالقيم الليبرالية التي انبنت عليها العلمانية.

من السمات الرئيسة للعلمانية، أنها تمنح الدولة طابعها المدني. لأن الدولة تدبيرٌ لا يرتبط بالدين. الأخير شأن الأفراد والجماعات المؤمنة. أما الدولة فملك للجميع، بمختلف ما يمتلكون من أفكار وثقافات وعقائد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
علي
[ الربيعية ]: 25 / 8 / 2017م - 7:20 ص
تقليص حدود الدين من عبادات ومظاهر عامة إلى مجرد عبادات فردية ومظاهر مشروطة بأن لا تتعارض مع مصالح الدولة هو بنفسه تعد على الدين

بإمكان دعاة العلمانية أن يدعوا لها بدون تحريف المفاهيم الدينية وتصوير القرآن على أنه داع للعلمانية, لماذا لا تكونون صريحين؟

الإسلام السياسي إما أن يكون الإسلام قد دعا إليه وإما لا, فإن كان الإسلام قد دعا إليه فإن السعي للقضاء عليه تعد على الدين, وإن لم يكن قد دعا إليه فبأي طريقة حكم الرسول وأمير المؤمنين وبأي طريقة سيحكم الإمام المهدي يا ترى؟

يرتطم العلمانيون مع مبدأ الطاعة الفطرية المطلقة لله عز وجل, تنبه بعضهم فبدأ بمشروع (التنوير) الهادف لجعل المبادئ الإسلامية متناسقة مع العلمانية, بتأويل النصوص الواضحة ودعاوى التنافي مع المصالح الحالية

كفانا خداعا لأنفسنا!!