آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

إلى الداخل العوامي.. رؤية طموحة للعمل الاجتماعي

الشيخ عباس السعيد *

من رحم المعاناة القاسية والآلام المريرة التي تجرعتها عوامنا الغالية في أزمتها الراهنة وما نتج عنها من خسائر في الأرواح والممتلكات والمكتسبات النوعية والمصالح الجمعية، تتولد في أعماق رجالها وأبنائها الطيبين مشاعر الأمل ومشاعل النور التي تنير مستقبلها برؤيتها الطموحة، وأفكارها النيرّة، ومشاريعها الرائدة، وأياديها الفاضلة، وعطاءاتها المجيدة، وإنجازاتها المتألقة، التي تعيد لمحيا عوامنا العزيزة طلتها الجميلة، وبسمتها المشرقة، وتطرد عنها كل غمائم اليأس والإحباط والسكون.

إن الضرورة المجتمعية التي تفرضها الأزمة الراهنة وما أعقبها من أحداث محمومة ومتغيرات متسارعة، تدعو إلى تقديم مقاربةٍ جادةٍ ورصينة، تشيد معالم العمل الاجتماعي ومساراته بناءً على قواعد مشتركة وأرضية ثابتة، تنسجم مع المناخ الاجتماعي العام، في أوضاعه ومعطياته، وتلتف على كل بؤر التوتر ومسببات الخلاف بين مختلف الأطراف والأطياف الثقافية والفكرية، لترسم الخطوط العريضة لأولويات المرحلة المقبلة وضروراتها، في أهدافها وتطلعاتها، ومبادئها وأخلاقياتها، ومشاريعها وبرامجها.

أولاً: الأهداف والتطلعات

حياة طيبة عنوانها الرحمة والسلام والخير والازدهار العلمي والنماء الاجتماعي، تحفظ لهذه البلدة الطيبة العريقة ضروراتها النوعية ومصالحها الاجتماعية التي لا ينبغي التفريط أو المساس بها على كل حال.

ثانياً: الأخلاقيات والمبادئ

ما نملكه من مبادئ وأخلاقيات هو بمثابة الأسس والقواعد التي نرتقي عليها لبلوغ ما نطمح إليه من أهداف سامية وتطلعات متألقة، لكن طريقية المبادئ والأخلاقيات للأهداف متفاوتة تبعاً للظرف وما يقترن به من عناصر ومعطيات خارجية، والمجتمع الحكيم هو الذي ينتخب منها أحسنها، وأقربها لواقعه، وأكثرها انسجاماً مع خصوصياته الذاتية والظرفية: يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ.

والأولوية بين المبادئ مرتبطة بالحاجة إليها، فقد تكون الأولوية للوحدة أو للحكمة أو للعلم أو لغيرها، تبعاً لظروف المجتمع وحاجاته المرحلية. وإليكم أهم الأخلاقيات والمبادئ المشتركة التي ينبغي على الجميع التمسك بها في المرحلة المقبلة:

1 - التعاون

التعاون والتكامل بين البرامج الأهلية وبين المؤسسات القائمة كنادي السلام والجمعية الخيرية هو شعار وخيار استراتيجي، يجبر لها نقصها في قدراتها وإمكانياتها، ويقربها من بلوغ أهدافها وتطلعاتها، يقول سبحانه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى.

وإذا كانت مواقف المؤمنين من بعضهم الذين يختلفون معهم في الاتجاه أو الآراء أو المواقف مدارها على الحق لا على مسبقات نفسية أو أحقاد حزبية أو فئوية، حينها سيتمكنون من تركيز طاقاتهم الذاتية وقدراتهم المادية والمعنوية، وصبها في مشاريع اجتماعية رائدة، تحقق الازدهار العلمي، والنماء الاجتماعي.

2 - المسارعة في الخيرات

تسابق العاملين في الخيرات والمسارعة إليها يستثير العقول، ويفجر الطاقات، ويشحذ الهمم، ويشعل التنافس الإيجابي بين الأطياف والأطراف والاتجاهات الثقافية والفكرية، ويدفعها لتحقيق أهدافها السامية وتطلعاتها المتألقة في فترة قياسية، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

إن الاختلاف في الأفكار والرؤى والمواقف سنة اجتماعية لا يمكن لنا إيقافها أو تبديلها من خلال حوارات جدلية، أو مناكفات بينية، تستنزف طاقات، وتحرق جهود، وتهدر قدرات، في اتجاهات عبثية تنتهي بانقسامات أو صراعات اجتماعية.

إن الاختلاف حقيقة اجتماعية واقعية ثابتة ينبغي أن تحركنا إلى استباق الخيرات والتنافس الإيجابي في ميدان التطوع والخدمة الاجتماعية، بعيداً عن أسلوب المماحكات الفكرية، والحروب الكلامية العبثية التي لا طائل منها.

3 - الإبداع

الإبداع المستمر في الأفكار والرؤى والبرامج والأعمال هو طريقنا لتنمية العمل الاجتماعي وتطوير أطره ومساراته، من خلال التواصل العميق والفعال مع المبدعين، والانفتاح على كل الأطياف والمسارات والتوجهات، وفتح الساحة أمام المفكرين والأكاديميين المتخصصين للمشاركة في إثراء البرامج الاجتماعية وتطويرها.

ثالثاً: المشاريع والبرامج

البرامج والمشاريع الاجتماعية الرائدة تمثل الوسيلة التي تمكننا من تحقيق أهدافنا السامية وطموحاتنا المتألقة في بلوغ أعلم القمم، في الازدهار العلمي، والتنمية الاجتماعية الشاملة. ومن هنا ندعو إلى تأسيس مشاريع تعليمية رائدة قادرة على اكتشاف الموهوبين والمبدعين، ورعايتهم وتنميتهم ثقافياً، وصقل قدراتهم الذاتية، والحياتية والأكاديمية. ومنها يمكن تفريع البرامج التالية:

1 - برنامج للتنمية الاجتماعية، يتكفل بتحقيق التنمية الذاتية بمختلف عناوينها، يشارك فيها أكاديميون وخبراء متخصصون، نظير لجان التنمية الاجتماعية في عموم المنطقة.

2 - برنامج يهتم برعاية المبدعين والمتميزين، وتنمية قدراتهم في البحث العلمي في مجالاته التخصصية المختلفة.

3 - برنامج يهتم باكتشاف الموهوبين، ورعايتهم، وتنمية مواهبهم العلمية والفنية والاجتماعية.

4 - برنامج يهتم برعاية الطلاب المتميزين، وتنمية قدراتهم الذهنية واللغوية التي تؤهلهم للمشاركة في برنامج موهبة الخاص بالطلاب الموهوبين.

5 - برنامج خاص بفئة المتعثرين دراسياً، يهتم برفع درجة تحصيلهم الدراسي.