آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

البكاؤون الشكاؤون في التعليم الفنلندي

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

ما زالت التصريحات الخشنة تتوالى الفترة تلو الأخرى بعد أسابيع من رد وزير التعليم لخريجي الكليات الصحية الأهلية، في قضية إيقاف المكافآت، الذي قال فيه: «روحوا لديوان المظالم»!

أثار الوزير في رده الجديد حفيظة عدد من المعلمين والمعلمات في مقالة نُشرت له يوم الاثنين الماضي في صحيفة «الحياة» بعنوان «ساعة للنشاط الحر في مدارسنا: لماذا وكيف؟»، إذ قال: «أما أولئك الشكاؤون البكاؤون المعترضون على كل قرار، والواقفون ضد التطوير والإصلاح؛ فهم قلة قليلة من أبنائنا؛ حتى ولو علت أصواتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى لو وجدت من يدعمها ومن يغذّي اعتراضاتها من المعرفات المجهولة التي تبثها دول ومجموعات لا تريد لبلادنا خيرا ولا صلاحا ولا تطورا».

في الحقيقة لا أدري لماذا الإصرار على مثل هذه الردود الحادة التي تصف منتقدي القرار بأنهم شكاؤون بكاؤون معترضون؟!

هنا تذكرت قول الفنان عادل إمام في مسرحية شاهد ما شفش حاجة «دي العملية وسعت أوي»! السؤال الأهم هنا: هل زيادة ساعات الدوام المدرسي يعد معيارا مهما ورئيسا لتعليم أفضل؟ فلننظر لدولة مثل فنلندا التي صنفت في السنوات العشر الأخيرة كأقوى دولة في التعليم عالميا وفقا لتقرير التنافسية العالمية، تشير التقارير إلى أن من أهم الأسباب التي جعلت فنلندا متربعة على عرش الصدارة قلة ساعات الدوام المدرسي وزيادة فترات الراحة للمعلمين والطلاب، إذ تركز سياسة التعليم في فنلندا بشكل أساسي على العمق في المضمون المدروس، بدلا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية، والمعلمون يعملون في الفصول لمدة 4 ساعات يوميا و20 ساعة أسبوعيا، نصف هذه الساعات يقوم فيها المدرس بإعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب، ومع تقلص ساعات الدراسة تزداد فترات الراحة نسبيا لتصل إلى 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسي. وتستمر الحصة الدراسية مدة لا تقل عن 45 دقيقة، ويبلغ عدد الحصص الأسبوعية في الصفين الأول والثاني الابتدائيين في المتوسطة 19 حصة، وفي الصفين الثالث والرابع 23 حصة على الأقل، وفي الصفين الخامس والسادس 24 حصة، وفي الصفوف من السابع حتى التاسع يبلغ متوسط عدد الحصص 28 حصة.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعتبر فنلندا الأولى بين دول العالم المتقدمة من حيث قلة عدد الساعات التي يقضيها الطالب في غرفة الصف، وذلك يعكس أحد أهم مرتكزات التفوق التي يقوم عليها نظام التربية الفنلندي، فساعات الدراسة من 4 إلى 5 ساعات يوميا. كثير من دول العالم تواقة لمعرفة كيف طور الفنلنديون نظامهم التربوي والتعليمي بهذه الفعالية، والاستفادة من خبرتهم في هذا المجال. نعم في الكوكب الياباني الحالة مختلفة فهي تعد الأطول مُقارنة بأي دولة أُخرى، من حيث عدد ساعات الدوام المدرسي، حيث تبدأ من الثامنة صباحا، وتنتهي في الرابعة تقريبا، لكن المدارس في هذا الكوكب مختلفة فهي مدارس من فئة الخمس نجوم، بعض المعلمين يمكثون فيها حتى الثامنة مساءً.

عودة مرة أخرى إلى فنلندا. حيث تتولى الإدارة العليا في التعليم هناك إشراك المدارس والمعلمين والمعلمات المتخصصين في كل القرارات المفصلية، كونهم في الميدان، وحتى يشعروا بأهمية مشاركتهم، ويتبنون النتيجة

التي تخلص إليها المناقشات ولم نسمع يوما من قيادته مقولة «البكاؤون الشكاؤون»!