آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

المعلمون.. التأهيل وليس الشتيمة

سلمان محمد العيد

خلال الأيام الماضية، ارتفعت وتيرة السباب والشتائم الموجهة ضد اخواننا المدرسين أو المعلمين، أو من يعملون في قطاع التعليم بشكل عام، ومرد ذلك إلى عدة عوامل ابرزها  من وجهة نظري  وجود حالة من النظر بعين الغبطة أو الحسد إلى هذه الفئة، من كون المعلمين يتقاضون رواتب مجزية بمستوى سلم رواتب البلاد، لكن العطاء لا ينسجم مع هذا العائد المادي الكبير.

وهذه الهجمة هي جزء من الهجمة التي يتعرض لها القطاع التعليمي في الوطن العربي منذ السبعينيات، إذ شهدنا خلال هذه العقود هجوما إعلاميا فبيحا ينال من قيمة وشخصية وهيبة المعلم، بدليل أن مسرحية وفيلم مدرسة المشاغبين أظهرت المعلم ذا شخصية ضعيفة، وشجعت الطلاب على التمادي على معلميهم والسخرية منهم، فضلا عن أن صورة المعلم في المسلسلات والمسرحيات العربية ليست منسجمة مع الدور الذي يقوم به المعلم في تنشئة الجيل وتربيته، فتجد المعلم فقيرا ذا ملابس مهلهلة، يلجأ إلى الدروس الخصوصية كي يعيش، حتى أن فؤاد المهندس في أحدى مسرحياته الفكاهية ترى التعليم ليصبح من رجال الأعمال الوصوليين، كما وجدنا المعلم في مسرحية مدرسة المشاغبين ينزع ملابسه أمام الطلاب، ووجدنا المعلمة في فيلم مدرسة المشاغبين أيضا بملابس لا تليق بمعلمة، والمعلم في مسلسل غصن الزيتون يعقد علاقات غير شرعية مع طالباته.. والأمثلة في هذا الشأن كثيرة وكثيرة جدا.

وعلينا حقيقة أن ننظر لدول العالم كيف يتعاملون مع المدرس، وكيف يتم تقديره ماديا ومعنويا، وكيف يتم تأهيله وإعداده، وإذا نظرنا للأمر بصورة موضوعية لا ينبغي أبدا أن نرى احترام المعلم وتقديره وزيادة راتبه شيئا خاطئا، بل أن هذه هي السيرة الموجودة في كل بلاد العالم، بما فيها بلادنا الحبيبة.

لكن الذي نراه في بلادنا إن المعلم يعمل في اليوم ساعات قليلة، فلا يرفع أذان الظهر الا وهو في منزله وبين عائلته، بعكس العاملين في القطاع الخاص الذين ينتهون من عملهم الساعة الخامسة، أو بعض العاملين في القطاع الصحي أو القطاع الصناعي أو القطاع العسكري والأمني الذين يعملون بنظام الورديات، ويكونون  في الغالب  تحت الخدمة وتحت الاستدعاء في أي وقت، هذا غير العاملين في منصات استخراج البترول الذين يغيبون عن أهاليهم بالأشهر.. وشتان بين هؤلاء وهؤلاء.

وفي المقابل، مع هذه المواصفات الوظيفية، يجد كثير من الناس أن المعلمين لم يؤدوا دورهم على أكمل وجه، لا من الناحية العلمية ولا من الناحية التربوية، وأن ثمة شعورا قد تفشى لدى قطاع واسع من الناس أن مخرجات التعليم لا تزال متواضعة المستوى، بدليل أن العديد من العوائل تلجأ للدروس الخصوصية لتأهيل أولادهم، بل أن البعض من العوائل يعمد لإدخال أولادهم دورات تدريبية في فصل الصيف لتأهيلهم من جديد، وهذا الأمر لا يعطي صورة إيجابية عن وضعنا التعليمي، ولا عن وضع المعلم، ولا وضع الطالب.

ومن هنا يثار سؤال هام يتمثل في أن هذه الإشكالية هل جاءت من المعلم نفسه فقط دون غيره، بمعنى إن المعلم هل أراد أن يكون رديئا  إذا سلمنا برداءته  أو مهملا  إذا سلّمنا بإهماله  فهو إذا كان مؤهلا بشكل جيد سوف تكون مخرجاته جيدة، والعكس صحيح، بالتالي فالمعلم جزء من العملية التعليمية التي تشهد وضعا بحاجة إلى مراجعة، تشمل الرواتب والمعلمين والمدارس والجامعات والمناهج وغير ذلك.

من هنا تتأكد ضرورة العناية بالمعلم وتطويره، وأرى أن إجازة لمدة ثلاثة اشهر في السنة يقضيها معظم المعلمين في أعمالهم الخاصة، يمكن استغلالها لإدخال المدرسين برامج تطويرية، تدعم كفاءاتهم وترفع من مستوياتهم بما ينعكس على عطائهم في الموسم، فنصف السنة يعمل المعلم، عليه في النصف الآخر أن يتزود ويطوّر من مهاراته الفنية والقيادية، والعالم يتطور وتبادل الخبرات متاحة، وهذا الأمر تطبقه الشركات الكبيرة مثل سابك وارامكو والكهرباء، حيث تبعث سنويا عددا من موظفيها وتدخلها دورات تدريبية ذات مستوى عال، فما المانع بأن يتم ابتعاث المعلمين لدورات تدريبية لشهر أو شهرين خلال الإجازة الصيفية ليأخذ خبرات إضافية يطبقها خلال الموسم الدراسي؟!.

كما أن الموظفين، خصوصا من يعملون في القطاع الخاص يخضعون لعملية تقويم سنوية تطال نتائجها من رتبهم ورواتبهم، ينبغي أن يحدث هذا في النظام التعليمي، بشكل دقيق ويتم تقييم المعلمين وحسن أدائهم، وهذا مطبق في بعض الجامعات والمعاهد المعروفة، وأما أن يترك المعلم ولا يحاسب ولا يعاقب ولا يعاتب فإن النتيجة سوف تبقى كما هي.

فكما نريد من المعلمين، علينا أن نعطيهم.