آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الجمهور والخطيب

الشيخ حسين المصطفى

الجمهور ركيزة أساسية من ركائز الخطابة. وبدون جمهور «مستمع» لا تكون هناك خطابة. وللجمهور أثر كبير في نجاح الخطيب والخطاب معاً، فأداء أغلب الخطباء يزداد تألقاً مع ازدياد عدد جمهوره ويضعف تبعاً لقلة الحضور.

ومن جهة أخرى فإنّ وظيفة الخطيب هي إقناع الجمهور بما يلقيه على مسامعهم، واستمالتهم إلى ما يدعو إليه وبالتالي فإنّ الهدف الأساسي والوظيفة العظمى للخطيب هي التأثير في الجمهور سلباً أو ايجابياً تجاه ما يعرض عليهم من أفكار أو معلومات.

وللتعامل مع الجمهور فإنّ الخطيب بحاجه إلى أدوات:

1. فن الإقناع: لا شك أنّ إقناع الآخرين برأي أو فكرة أو معتقد لا يحدث اعتباطاً. بل لذلك وسائل وأدوات بعضها فطرية قد يحصل عليها بعض الناس هبة من الله تعالى. فيكون موهوباً وذا قدره على إقناع الآخرين بهذه الموهبة الربانية.

وفي المقابل توجد طرق فنية ووسائل متعددة إما لزيادة نسبة الإقناع أو لتعليم الفاقد لهذه الموهبة بعض الوسائل والأساليب.

2. فن الإلقاء: لا أحسب أنّ نجاح شخص ما في عملية الإلقاء الخطابي أو اللفظي أو بتعبير أخر «توجيه الرسائل الإعلامية» مسألة عادية متاحة لكل أحد إذا تركنا الموهبة جانباً. فليس كل الخطباء يمتلك استعداداً وموهبة كبيرة في الإلقاء. كما أنّ من يتوفرون على هذه الموهبة يختلفون فيما بينهم نسبياً. فمنهم من يمتلك ناصية هذا الفن فطرياً إلى درجة عالية، وهناك من هو دونه من المستويات والمطلوب تطوير هذه المواهب فضلاً عن تعليم من لا يمتلك منها شيئاً.

3. النفوذ: وبغية زيادة التأثير في السامع لا بد أن يكون الخطيب نافذاً ومهيمناً على المستمع ليتعمق تأثيره فيه وغير خافٍ أنّ للنفوذ آليات!!

4. العلاقات العامة: وهي جزء من مباحث علم النفس الاجتماعي التي يجب التركيز عليها. فإنّ الخطيب عندما يذهب إلى بلدة ما ليمارس فيها الخطابة فلا شك انه سيمارس وظائف أخرى إلى جانب الخطابة.

ولكن قبل كل هذه الأدوات على الخطيب أن يملك ناصية العلم والمعرفة، بحيث لا تكون الخطابة اكتساب معرفي ذاتي فقط، على عكس ما كان سائداً في عصور الإسلام الماضية حيث لم يكن الأمر كذلك، فلو ”راجعنا كتب الرجال سنرى أنّ عدداً كبيراً من العلماء كان يعرف باسم الواعظ والخطيب، كالخطيب الرازي والخطيب التبريزي والخطيب البغدادي والخطيب الدمشقي، وكلمة الخطيب هذه لم تكن إلا جزءاً من أسمائهم، فما هو مقام هؤلاء العلماء الذين ذكرناهم الآن؟“ «الملحمة الحسينية: ج 1 ص 261».

ويُجري الشهيد المطهري مقارنة بين هؤلاء الخطباء وما هو سائد اليوم في ساحة الوعّاظ أو قرّاء التعزية، فيجد أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين أولئك الخطباء حيث إنّ كل واحد من هؤلاء الذين لُقّبوا بالخطباء بحد ذاته بحراً من العلم وبمستوى مقام مرجع التقليد، وكان مقامه يستوحى منه واجب التعريف بالإسلام.

ونرى الشهيد المطهري لا يسلم بأهلية الخطيب «الواعظ أو قارئ التعزية» ومستواه العلمي إلا بعد إجراء الفحص والاختبار والقيام بعملية تقصي شاملة للتأكد من أهليته، كما هو الحال في عملية التأكد من أهلية مرجع التقليد «الملحمة الحسينية: ج 1 ص 261 - 262».

وعلى ضوء هذا يُظهر الشهيد «رحمه الله» خشيته من انحراف المجتمع نحو أشخاص من دون أن يراعوا تحصيل الشروط والقيم، التي تؤهل الفقيه لكي يكون مرجعاً للتقليد تماماً كما جرى التعاطي مع الخطباء غير المؤهلين وعند ذلك ”يبدأ الناس بقبول أشخاص في سلك المرجعية ممن ليس لهم صلاحية مثل هذا المقام والموقع، لكن هذا المقام محفوظ والحمد لله ويجب أن نحافظ عليه أكثر“ «الملحمة الحسينية: ج 1 ص 264».

والشهيد المطهري يعتبر ”أنّ مقام المبلِّغ للإسلام والداعية الإسلامي الذي يُبلِّغ الرسالة الإسلامية لعموم الناس والتعريف بالإسلام باعتباره مدرسة الحياة، هو في الواقع ليس أقل قيمةً من مرجع تقليد المسلمين، لا يحتاج الأمر منكم إلى العجب، فمقام بهذه الحدود، يجب أن يمتلك مؤهلات كبيرة، مع العلم أنّ هناك أموراً مطلوب توافرها في مرجع التقليد، لكنها غير مطلوبة في شروط المبلِّغ“ «الملحمة الحسينية: ج 1 ص 264».

ويُحمّل المطهري المجتمع مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، لأنه يهمل المعايير الواجب توفرها في الخطيب، ويعرض للطريقة التي يرتقي فيها الخطيب سلم المقام التبليغي لواقعة عاشوراء، فيرى ”أنّ أي فرد في المجتمع اليوم يملك صوتاً جميلاً ولديه قدرة بسيطة في تلحين الشعر وحفظ عددٍ بسيط من الأشعار تراهُ يتدرّج شيئاً فشيئاً ليصبح مداحاً في المناسبات الحسينية، فيقف جنب المنبر الحسيني ويبدأ بقراءة بعض المديح وبعض المراثي الحسينية في البداية... فهل المهم أن يكتظ المجلس بالمستمعين أم أنّ المهم ماذا سيسمعون؟! إنها خيانة للإسلام أن يكون الوعظ والتبليغ قد بدأ من مرتبة القدرة على تلحين بعض الأشعار!“ «الملحمة الحسينية: ج 1 ص 264 - 265».