آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 6:21 م

أفراحنا والتكاتف العائلي

عبدالله الحجي *

سرور وشعور لايوصف عندما يتجسد التكاتف والتعاون العائلي، ويقف أفراد العائلة وقفة واحدة متحدين لرسم السعادة على وجه عريسهم في ليلة زفافه. وقفتهم تشكل قوة وفخرا وعزا وشرفا للعريس، كل يسعى ويتفنن في تقديم مايستطيع عليه من خدمات وقد جعلوه كالأمير في ليلة من أجمل ليالي عمره. منهم من اصطف بجانبه يعاضده ومنهم من كان في طليعة المستقبلين والمرحبين للضيوف، ومنهم من اهتم بالترتيب والتنظيم، ومنهم من تولى إكرام الضيوف وضيافتهم. ذلك بعض من الدعم اللوجستي مقابل الدعم المادي للتخفيف من عبء وتكاليف الزواج من مهر وشقة وتأثيث وتجهيز وغيره. وهذا الدور تلعبه كذلك بنات حواء بوقوفهن وقفة مشرفة للعائلة مع العروسة.

هذا التكاتف العائلي ليس فخرا للعائلة فقط بل له انعكاسات ايجابية في نظر المجتمع الذي يفخر بتجسيد هذه الوقفة ويغبط العائلة على ما حباها الله من حب وألفة وتكافل يرفع من شأن العائلة، ويعزز التواصل وصلة الرحم التي أكد عليها نبينا الأكرم «صلى الله عليه وأله».

هذه صورة من الصور المشرفة لدى بعض العوائل يقابلها بعض المواقف والصور السلبية المؤلمة التي تعكس حالة من التفكك العائلي وسوء العلاقات بين أفراد العائلة. ربما يذهب البعض بأن القصد هو وجود أهالي العائلة جسدا في الحفل ولكن ليس روحا ووجدانا وأن تواجدهم كغيرهم من باقي الضيوف ولكن الأمر أسوأ من ذلك.

يقول أحد الأصدقاء بعد تهنئة العريس وأعمامه وأقاربه الذين يقفون بجانبه افتقدنا والد العريس. فقلنا ربما يكون مشغولا.. سألنا العريس عن والده فطأطأ برأسه وأجاب بصوت منكسر متألم إنه يعتذر إليكم لعدم تمكنه من الحضور، وبعد السؤال تبين أنه على خلاف مع إبنه. إنها ليلة من أجمل الليالي ولطالما انتظرها الأب ليقف بجانب إبنه عندما يكبر، ولطالما انتظرها الإبن ليفخر بقدوته ومن يتمثل العالم فيه يضمه إلى صدره ويقف بجانبه ويغدق عليه الحب والحنان. فلو كان الأب ممن غيبه الثرى فلاحول ولاقوة إلا بالله، والله يتغمده برحمته ويمسح على قلب إبنه وعائلته بالصبر والسلوان. أما إن كان على قيد الحياة يتمتع بكامل صحته ويحرم نفسه ويحرم ابنه هذه السعادة التي كان كل منهما ينتظرها فذلك أمر غريب مهما كانت الأسباب.

مواقف وزواجات أخرى تفتقد فيها أخ من إخوة العريس أو أخ من إخوة والده أو أكثر أو أي قريب تتوقعه موجودا في المقدمة لمكانته وقدره في العائلة والمجتمع. وعند التقصي والسؤال عنهم يتبين بأن عدم حضورهم هو بسبب خلافات شخصية أو عائلية. مهما تكن الأسباب ألا تستحق مثل هذه الفرصة الذهبية والمناسبة السعيدة آن تشفع في إذابة الخلافات وفتح صفحة بيضاء ناصعة وتسطيرها بالعلاقات الطيبة؟!

هذه الدنيا زائلة نحن اليوم على أرضها وغدا تحت ثراها، ومن لم يغتنم مثل هذه المناسبات السعيدة ليصلح مابينه وبين إخوته وأصدقائه فسيأتي عليه وقت يباشر الحضور والوقوف على جنازة أخيه أو قريبه ولكن حينها لاتنفع الحسرة ولا الندامة ولا الاعتذار والتسامح فقد انقضى كل شئ والموعد غدا.

مثل هذه المواقف من التنافر والهجران بين الإخوان انعكاساتها سلبية خصوصا عندما تطفو على السطح وتصبح مكشوفة للمجتمع. لن أخوض في هذه المقالة للتذكير بالآيات والأحاديث الشريفة التي تتعلق بثقافة الصفح والعفو والتسامح والتي أشرت لها بالتفصيل في مقالات سابقة، وإنما هي دعوة لنفسي وإخواني أن نجعل أحد أهدافنا السامية مع بداية العام الهجري الجديد أن نعفو ونصفح عن كل من بيننا وبينه خصام وعداوة من العائلة وخارجها مبتعدين عن التعالي والمكابرة ومبتغين بذلك رضا الله عز وجل.