آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

ثقافة الصفقات

محمد أحمد التاروتي *

في عالم الاقتصاد والاعمال، الربح والخسارة، جزء لا يتجزأ من ممارسة التجارة، وكذلك الامر بالنسبة للمنافسات الرياضية، فجميع الفرق الرياضية معرضة للخسارة، اذ لا يعقل كسب المباريات على الدوام، حيث تتعرض بعض الفرق للهزيمة بين فترة واخرى.

فيما تختلف معادلة الربح والخسارة، في عالم السياسة، حيث تحرص جميع الدول على الاحتفاظ بالأوراق الرابحة، واستخدامها في الأوقات الصعبة، سواء لتوجيه ضربة قاصمة للخصم، او لتقليل الخسارة او امتصاصها، لذا فان غالبية الدول تحاول المناورة، وانتهاج الأساليب المختلفة، لاجبار الطرف الاخر، على رفع راية الاستسلام، تارة بشن حروب إعلامية ضخمة، او ممارسة ضغوط اقتصادية، او غيرها من الأساليب المتعددة، فالكثير من الدول تسعى لتكثيف الجهود السياسية، والدبلوماسية، من اجل تأليب الرأي العام، والحصول على التأييد العالمي، كخطوة أولى لإعلان الانتصار السياسي على الخصم.

تلجأ بعض الدول في خلافاتها السياسية، لاستخدام العصا الغليظة، لاجبار العدو على الخضوع، والقبول بجميع الشروط التعجيزية، والصعبة في اغلب الاحيان، اذ تمثل القوة العسكرية اليد الضاربة، لبعض الدول لفرض الهيمنة على الطرف الاخر، حيث تعمد لشن حرب شاملة دون سابق إنذار، في سبيل تحقيق مكاسب سياسية على الأرض، فالمصالح تمثل المحرك الأساس، وراء الحروب التي عرفتها البشرية، على مر التاريخ، اذ لا توجد حرب شريفة، وأخرى غير شريفة، فالحروب على اختلافها تنطلق من أطماع، في الاستيلاء على الموارد المالية للطرف الاخر، او توسيع الرقعة الجغرافية.

الدخول في الصفقات، يأتي كمحصلة لاستنفاذ جميع الخيارات، والوصول الى طريق مسدود، نظرا لعدم قدرة احد الأطراف، على حسم المعركة لصالحه، وكسر إرادة المقاومة لدى العدو، الامر الذي يجبر جميع الأطراف، للدخول في لعبة المفاوضات، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، من اجل حفظ ماء الوجه، والقبول بإنصاف الحلول، بمعنى اخر، الاقتناع بمبدأ ”لا غالب ولا مغلوب“، فالوصول الى هذه المرحلة، تسبقها خطوات واعمال كثيرة، خصوصا وان كل طرف سعى للضغط على الطرف المقابل، عبر استخدام جميع الأوراق السياسية التي يمتلكها، بيد ان فشل تلك المحاولات في تحقيق الأغراض المرجوة، ساهم في إيجاد قناعات، كانت مستبعدة طيلة الفترة الماضية، بحيث يضطر احد الأطراف لتجرع ”السم“، كتعبير واضح للمرارة التي يشعر بها، نظرا لعدم القدرة على تحقيق الانتصار الساحق على العدو.

كثير من الأحيان تتخلل المفاوضات صفقات سرية، فيما يتعلق بالأوراق التي يمتلكها كل طرف، بحيث يجري الاتفاق على تصفية، القضايا الشائكة بشكل مؤقت، اذ من الصعب اقدام كثير من الدول، على حرق الأوراق السياسية التي تمتلكها، باعتبارها مخالب يجري التلويح بها بين فترة وأخرى، بمعنى اخر، فان الصفقات تقوم على إخفاء بعض الأوراق مؤقتا، كنوع من حسن النية قبل وضع اللمسات الأخيرة، على الاتفاق بين الأعداء، فالتاريخ يتحدث عن اختفاء بعض المشاكل الداخلية، التي تحركها أطراف تعمل للدول المعادية، مما يعطي انطباعا بوجود بوادر انفراج سياسي، خلال الفترة القادمة، حيث تفرض المفاوضات سحب بعض الأوراق الضاغطة، كنوع من الجدية في السير قدما، باتجاه ترطيب الأجواء السياسية، وإعادة المياه الى مجاريها مجددا.

كاتب صحفي