آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 7:35 م

بين عالمين: هل غابت قيمنا؟

فاضل العماني * صحيفة الرياض

بما يُشبه العصف الذهني، تناولت مع أصدقائي الافتراضيين على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، قضية خطيرة تستحق الدراسة والتأمل، بل وتدعو للخوف والقلق، وهي ظاهرة غياب/ ندرة الكثير من القيم والسلوكيات الإيجابية في حياتنا، الأمر الذي يستدعي حشد الأفكار والجهود والرؤى لمواجهة هذه الظاهرة السلبية التي تُمثل ”ردة اجتماعية“ قد تُصيب النسيج المجتمعي في مقتل.

وقبل الخوض في تلك القضية الخطيرة التي تُهدد كيان المجتمع، لابد من الاقتراب قليلاً من هذا المفهوم/ العالم ”الافتراضي“ الذي بات يُسيطر على كل تفاصيل حياتنا، لدرجة أننا لم نعد قادرين على التمييز بين هذين العالمين: الواقعي والافتراضي.

في تويتر والفيس بوك والانستغرام والفليكر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تُشكل وعينا، وتُصيغ فكرنا وتوجه حركتنا، نعيش واقعاً ملتبساً وخيالاً مثيراً. في هذا العالم بوجهيه الواقعي والافتراضي، تُهيمن علينا مشاعر مختلطة، تمزج الواقع بالخيال والحقيقة بالحلم.

لقد شكل الواقع الافتراضي أفقاً جديداً لكل مكونات وشرائح وفئات المجتمع، ولكنه ما زال يتأرجح بين قناعتين: هل هو بديل للعالم الواقعي أم هو مجرد صورة حديثة له؟

نعم، للواقع الافتراضي الكثير من الإيجابيات والمغريات التي تجذب الملايين لمنصاته وشبكاته العديدة، فهو ساحة كبرى لممارسة التسلية والمتعة والبهجة والمعرفة، وهو سماء مفتوحة على كل الأفكار والرؤى والحضارات، وهو عالم عابر لكل المعتقدات والقناعات والثقافات، ولكنه في المقابل أيضاً، يحمل الكثير من السلبيات والتحديات، وتلك طبيعة الأشياء، إذ يواجه أنصار هذا العالم الافتراضي المعقد الكثير من المواجهات والصراعات التي تتمثل عادة في تفشي ظواهر سلبية تُهدد أمن وسلامة المجتمع، كانتشار مظاهر الشتم والسباب والبذاءة والأكاذيب والإشاعات والتسقيط والتخوين والكراهية والطائفية والعنصرية.

أعود للفكرة الأساسية لهذا المقال، وهي ظاهرة التراجع الخطير لمنسوب القيم الجميلة في حياتنا، منظومة القيم الأصيلة التي كانت تُمثل العناوين البارزة في مجتمعنا، تتعرض للكثير من الغيابات والتحديات. بمجرد أن ذكرت بعض تلك القيم الجميلة التي بدأت تغيب عن واقعنا، حتى انهالت المشاركات والتعليقات من قبل الأصدقاء الافتراضيين، فقد لامست - كما يبدو - مشاعر ثائرة وشكوى متحفزة.

قيم وأخلاقيات وسلوكيات رائعة، كانت تُعطر حياتنا بعبق أريجها وشذى عبيرها، ولكنها بدأت تفقد وهجها وحضورها. الحب والاحترام والتواصل والوفاء والنبل والتسامح وشرف الخصومة والتعاطف والعطاء والتقدير والإنسانية والأمانة والصدق وحسن الظن والرضى والحياء والبراءة والضمير والنزاهة والكثير الكثير من القيم والأخلاقيات الرائعة التي قلّ منسوب تدفقها في حياتنا.

وبعيداً عن ذلك الصراع المفتعل بين العالمين، الواقعي والافتراضي: هل نحن نعيش في عالم بلا قيم؟