آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

في رحاب عاشوراء «1»

الإمام الحسين وتغيير الواقع:

قراءة تاريخ أي فترة زمنية ينبغي أن يكون عنصر التحليل والمتابعة لأحوال الناس والأحداث التي مروا بها، بعيدة عن عامل العاطفة أو استباق النتائج أو رفضها لمجرد ظهور ما لا يتوقع من معطيات، فالتجرد من الشخصنة والميول والاتجاهات ينحو بنا باتجاه ترتبات محكمة ومستندة إلى الأدلة والبراهين، ويمكن مناقشة مفاصلها وأبعادها بكل وضوح وشفافية.

ولنقرأ واقع الناس قبل النهضة الحسينية وقد خضعوا لمنطق التسلط والبطش والعدوانية تجاه كل من يناويء أو لا يبدي مساندة واضحة لا لبس فيها للسلطة، وهذا ما أورث الناس الخوف والخنوع وضعف الإرادة تجاه الظواهر السلبية والسلوكيات المخالفة للشرع والمنافية للعقل، مع ملاحظة أن تلك الثقافة الدينية القائمة على مبدأ مهم وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد استظل الجمهور بمفهومها وتطبيقها طبق تعاليم رسول الله ﷺ، وهل كانت بعثته ورسالته إلا إصلاحا لما آلت إليه أمور الناس من انحراف وضلال على المستوى العقائدي والأخلاقي والاجتماعي، وتثبيتا لمكارم القيم، فكيف خنع الناس في عهد الإمام الحسين خانفين لا يبدون أي معارضة أو يقدمون على أي حراك تجاه نشر الموبقات، والعمل على محو روح الدين ومضامينه؟!

نهضة الإمام الحسين كانت المحرك لإحياء روح الضمير وحاكمية القيم، وفك أغلال الجبن والاستسلام للواقع المرير الذي أوجده فساد السلطة، فلم ير الإمام من الناس إلا روح التعاجز والسكوت عن الظلم والطغيان وكأنهم أصيبوا بالعمى أمام مظاهر المنكرات، فأين الروح المحمدية التي رفعت الصوت عاليا في وجه الصنمية والوثنية والأخلاق السيئة، ما لها اليوم لا تصرخ في وجه الفساد واستنكار ما آلت إليه أمور المسلمين من التشرذم؟!

ضمائر الناس كانت في حالة موت سريري لا تستشعر معه أي مهانة للكرامة الإنسان، وقد أذلتهم السلطة وصيرتهم عبيدا، ولذا كانوا بحاجة إلى حدث مزلزل وهزة عنيفة تقشع أركان الظلم والفساد، وتبعث في النفوس الأمل المتجدد بالتنعم تحت ظلال العفة والصلاح، فيتحمل الجميع مسئوليتهم الدينية والاجتماعية بمواجهة آلة البطش ونشر الموبقات، وتكسر عن عزائمهم أغلال الخوف والخلود إلى الدنيا.

وهذا الحفاظ على القيم النبوية والمضامين الدينية كان يحتاج إلى تضحية كبيرة بالوقوف أمام المنكر واستنكاره مهما كلف الأمر، دونما خوف من بطش وعدوانية آلة القمع، ولم يكن أحق بهذا الموقف الإصلاحي والتضحوي وأجدر من السبط الشهيد، لتكون نهضته وشهادته الحدث الأعظم والمنعطف الكبير في حياة الناس وإعادة تفكيرهم وحساباتهم، وإعادة بوصلة اهتمامهم بالمستقر الأبدي بدلا عن الانشغال بزينة الدنيا الزائلة، فأعلن الإمام موقفه الشرعي الذي جدد به روح القوة والاقتدار أمام التسلط والطغيان؛ ليكون أسوة لكل الأحرار في طريق العزة.