آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

المنبر الحسيني ودوره في تشكيل الأنماط الاجتماعية

أمين محمد الصفار *

في محاضرته لليلة الخامسة من شهر محرم تناول الشيخ إسماعيل المشاجرة في مقدمتها الرائعة موضوع الخطاب الديني والخطاب الثقافي وسيطرتهما على الثقافة العامة للمجتمع. ثم أوجز في أدوات كل منهما، حيث ركز على المنبر الحسيني وعدد أنواعه بعد استعراض بانورامي لتاريخ المنبر الحسيني حيث اعتبر أن المنبر الحسيني أربعة أشكال هي المنبر الرسالي والمنبر الحركي المنبر الرثائي والمنبر التلفيقي، واستعرض مزايا ومآخذ كل واحد ومنهم بأسلوب رشيق وشيق، ثم دعا إلى روح التكامل بين هذه المنابر.

هذا ايجاز المخل الذي ذكرته للتركيز على مقدمة المحاضرة فقط. حيث ذكر الشيخ - كما فهمت - أن الخطاب الديني كان خلال الأربعة أو الخمسة عقود الأخيرة هو المسيطر الأول بلا منازع، ثم يأتي الخطاب الثقافي، محملا مسؤولية الضعف في المجتمع على كلا الخطابين، ومفنداً محاولة الخطاب الثقافي التهرب من هذه المسؤولية.

ولعلنا لا نختلف مع الشيخ في هذا، مع ملاحظة أن الخطاب الثقافي بطبعه وتصوراته كان خطابًا نخبوياً بحتاً وغير متصل أو متفاعل مع الجمهور في معظمه وهو ما افقده التأثير المباشر في الجمهور، على عكس الخطاب الديني الذي كان يستخدم المنبر الحسيني وسيلة تواصل أساسية فكان تأثيره في الجمهور أكثر وأعمق وأسرع نتيجة أيضا.

لعلنا الآن في حالة سائلة أو متغيرة نشهدها لكلا الخطابين، فالخطاب الديني ومن خلال «المنبر الرسالي كما وصفه الشيخ» اخذ يجنح نحو النخبوية في الطرح بشكل يمكن أن نسميه مبالغ فيه، من خلال زيادة الجرعة الأكاديمية كما عبر عنه الشيخ بدليل أن وقت المحاضرة أصبح غير محكوم بل وخارج ذوق المتلقي وهو لا يستند إلى معيار علمي. ولعلنا نشهد مستقبلا حالة انقسام في هذا المنبر إلى منبر رسالي ملتزم يراعي الوقت الذي يطيقه المستمع وهو ما كان عليه الشيخ الوائلي، ومنبر رسالي اخر أكثر نخبوية يهتم باشباع موضوع البحث دون تقييد أو كثير اعتبار للوقت الذي تستغرقه المحاضرة.

أما الخطاب الثقافي فهو الأن أيضا في حالة تغير، فقد أصبح أكثر ميلا للتواصل والتقرب من الجمهور عبر مختلف وسائل التواصل والأشكال، ومن حيث المحتوى أصبح يقدم محتوى بسيطاً - ساذجًا احيانًا - سهل الهضم للجمهور، ولعل الانتصار الأكبر للخطاب الثقافي هو أنه غزا الخطاب الديني نفسه فأصبح الخطاب الديني ذا نفس ثقافي أكثر منه ديني، لدرجة أصبح المنبر الرسالي وكأنه منبر ثقافي أو في طريقه لذلك لدرجة يصعب التمييز بينهما.

للآسف لا يوجد لدينا إلى الآن مساحة واسعة من الإدراك لأهمية تدوين المحاضرات العاشورائية نصًا وكذلك توثيقها عبر كتابتها والكتابة عنها ونشرهما في وسائل الإعلام المقروءة خصوصًا - بالقدر المتيسر - وليس فقط تسجيلا صوتاً وصورة. واحسب أن عملًا من هذا القبيل سوف يجعل - كمثال - حالة البحث والتحليل لتطور الخطاب المنبري عملية أكثر دقة وغير صعبة على الباحث.