آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

ثقافة النقد

محمد أحمد التاروتي *

النقد ظاهرة إيجابية في حد ذاتها، باعتبارها وسيلة من الوسائل المتاحة، لتصحيح المسار، خصوصا وان الأخطاء ضريبة طبيعية للعمل في الحياة، مما يتطلب وجود أطراف قادرة على قراءة التجربة، سواء من الداخل او الخارج، فالعاقل من تعلم من تجارب غيره.

المشكلة في التعاطي مع النقد، ليست في ممارستها، بقدر تكمن في أغراضها، ومحاولة توجيه السهام القاتلة، لبعض المشاريع الإصلاحية، خصوصا وأن نجاحها يمثل خطورة كبرى، على المصالح الشخصية لدى شرائح اجتماعية، الامر الذي يفسر تصاعد نبرة النقد، بشكل صارخ وغير متوازن على الاطلاق، مما يوحي بوجود نوايا تتجاوز ابداء النصح، والتعاون على البر والتقوى، بقدر تكشف العداء الخفي الكامن، وراء تلك الانتقادات المستمرة.

فالنقد في الغالب ينطلق من الحب او الكره، فالنوع الأول يتحرك لتحقيق المصلحة المشتركة، والسعي الدائم لتجاوز العراقيل، او محاولة الاستفادة من الأخطاء، من خلال إيجاد الحلول المناسبة، بمعنى اخر، فان العامل الإيجابي يغلب على جميع الانتقادات الصادرة عن الحب، من اجل مواصلة الطريق وتقليل الخسائر قدر الإمكان، فهذا النوع من النقد محمود، ومطلوب لإثراء التجربة الإنسانية، في سبيل الارتقاء، وتقديم عصارة الحلول المبتكرة، والابتعاد عن الأساليب التقليدية وغير الناجحة.

هذه النوعية من النقد تشكل ظاهرة إيجابي، نظرا لما تمثله من تكامل بشري، وتعاون على الخير والصلاح، ”صديقك من صدقك لا من صدقك“، ”هلك من ليس له حكيم يرشده“، فالمرء بحاجة ماسة للاستفادة من عقول الاخرين، في سبيل ترجيح بعض الاّراء، على حساب بعض الاّراء، الأقل جدوى او غير العملية، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، وبالتالي فان الانسان باستطاعته الاستفادة من الانتقادات، في سبيل وضع الأمور في الجادة الصائبة، خصوصا اذا حملت في طياتها مصلحة واضحة، وقدرة غير مسبوقة، على تفكيك بعض الأخطاء.

فيما تنطلق الانتقادات النابعة عن الكره، من المصالح الشخصية، والخوف على المكانة الاجتماعية، الامر الذي يدفع البعض لممارسة شتى أنواع النقد تجاه الاخر، اذ لا يكتفي بعدم المشاركة الإيجابية، في الدفع بالمشاريع الإصلاحية باتجاه التقدم، وإنما يمارس حق النقد، لوضع العراقيل امام مسيرة المشاريع الإصلاحية، فتارة من خلال التشكيك في النوايا الحقيقية، لإطلاق تلك المشاريع، وتارة أخرى بفتح النيران، على الجهات القائمة عليها، سواء بالرفض التام لمختلف المبادرات، التي تطلقها، او التعاون مع أصحاب النفوذ الاجتماعي، في تعطيل حركة تلك المشاريع، مما يسهم تحقيق بعض الانتصارات المؤقتة، على أصحاب المشاريع الإصلاحية.

الحسد يمثل احد العوامل الكامنة، وراء استمرار النقد السلبي، اذ يحاول البعض استخدام بعض المصطلحات الخادعة، في سبيل إخفاء السبب الرئيسي وراء الصوت المرتفع، تجاه المشاريع الإصلاحية، خصوصا وان الانطلاق السريع لبعض القيادات الإصلاحية، على حساب الحرس القديم، يطلق العنان للعداء الصارخ، الذي يتخذ أشكالا مختلفة، ومتعددة، لاسيما وان سحب البساط من تحت اقدام الحرس القديم، يدفع باتجاه استخدام النقد، غير المبرر على الاطلاق.

كاتب صحفي