آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ثقافة الاتكالية

محمد أحمد التاروتي *

الاعتماد على الذات، في إنجاز الاعمال، وقضاء الحوائج، يصقل الشخصية، ويطرد حالة الاتكال على الاخرين، ”صاحب الشيء احق بحمله“، ففي الغالب لا يدرك أهمية القيام بالعمل، في وقته غير صاحبه، ”ما حك جلدك مثل ظفرك“، الامر الذي يفسر عدم اللامبالاة، لدى البعض في التحرك، في إنهاء بعض الاعمال، نظرا لعدم وجود المحفز القوي، في وضع نهاية لبعض الملفات.

الاتكالية مرض خطير، لا تنحصر تداعياته على الفرد، بل تشمل خطورته الكثير، من الشرائح الاجتماعية، فكل دقيقة تمضي في غير مكانها، تسهم في تأخير المجتمع، وتكريس حالة الضياع، ”رحم امرئ عمل عملا فأتقنه“، وبالتالي فان زرع المسؤولية في الفرد، وعدم الاعتماد على الاخرين، في إنجاز الاعمال على اختلافها، باعتباره الوسيلة المثلى لخلق بيئة اجتماعية، تتعاطى مع القضايا بروح مغايرة تماما.

سيطرة ثقافة الاتكالية في المجتمع، مرتبطة في العادة بنوعية الغذاء الثقافي، الذي يتناوله بشكل مستمر، اذا كانت هذه الثقافة تحمل في طياتها عناصر الخمول، والنوم والكسل، وغياب روح المبادرة، فان ذلك ينعكس بصورة مباشرة، في طريقة التعاطي مع الملفات على اختلافها، بمعنى اخر، فان بقاء بعض المشاكل جاثمة على صدر المجتمع، لفترة طويلة ناجم عن سيطرة الاتكالية في المجتمع، ﴿اذهب انت وربك فقاتلا أنا ههنا قاعدون، حيث سجل بنو إسرائيل مستوى مخزي من الاتكالية، وعدم الإحساس المسؤولية، بحيث خاطبت نبي الله موسى «ع،» بهذه الطريقة الفجة والسلبية للغاية.

الحالة الإيجابية، وعدم سيطرة الروح الانهزامية، تمثل عناصر أساسية في طرد الثقافة الاتكالية، لدى الانسان، فالمرء الذي ينظر لمختلف القضايا بنوع من التفاؤل، والقدرة على الإنجاز، في احلك الظروف، يستطيع الانطلاق بقوة نحو تجاوز مختلف عوامل الإحباط، التي تكبل الايدي في بعض الأحيان، بخلاف الشخص الذي يشعر بالضعف، وعدم المواجهة للتغلب على الظروف القاهرة، فانه ينتظر من الاخر المساعدة، وعدم التحرك بوازع ذاتي، الامر الذي يسهم في تكريس الاتكالية، وعدم الأقدام بجرأة كبرى، مما ينعكس بصورة مباشرة على المسيرة الاجتماعية، والإخفاق في تحقيق النجاحات، في مختلف الامتحانات سواء الدنيوية او الثقافية.

إيجاد الظروف الملائمة، لطرد الاتكالية من المجتمع عنصر أساسي، للإنطلاق نحو الافاق، وتحطيم مختلف الحواجز النفسية، والمادية على السواء، فالمجتمع الذي يمارس الاتكالية بشتى صورها، يصعب إنقاذه، او محاولة تحفيزه على النهوض، من الواقع البائس، نظرا لانعدام روح المبادرة، او افتقاره للإحساس بالمسؤولية، لاسيما وان المجتمع الذي ينتظر حل مشاكله من الاخر، سيبقى في مستنقع تلك المشاكل لفترة طويلة، مما يفرض التحرك السريع، والبحث عن الحلول بمبادرة ذاتية.

تحفيز النفوس لتحمل المسؤولية عنصرا هاما، لتكريس الإحساس بالمسؤولية لدى الفرد، بيد انه ليس كافيا لخلق مجتمع مبادر، فالمرء بحاجة الى ثقافة مغايرة، تحمل في طياتها التحرك الدائم، وعدم إضاعة الوقت لتفادي الخسائر الكبيرة، ”إضاعة الفرصة غصة“، ”بركة العمر حسن العمل“.

كاتب صحفي