آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

ثقافة التخصص

محمد أحمد التاروتي *

التخصص عامل أساسي في استمرار الإبداع والقدم، بمختلف العلوم الدينية والإنسانية، فالعالم يحتاج الى سنوات من الجد والاجتهاد، للإمساك بنواصي العلوم، لاسيما وان العلم بحاجة الى مثابرة، وقدرة على تحمل ذُل التعلم، من اجل سبر أغوار العلم، والتحرك الجاد لخدمة الذات، والبشرية، في الوقت نفسه، فيما يشكل التطفل في مختلف العلوم ظاهرة تخريبية، تعرقل مسيرة التطور والازدهار، في شتى المجالات العلمية، الامر الذي يفسر لجوء البشر الى أصحاب الكفاءات العلمية، للاستفادة من العلوم التي تمتلكها تلك القامات العلمية، خصوصا وان محاولة الاقتحام غير المدروسة، تحمل في طياتها كوارث كبرى، على الصعيد الفردي، او الاجتماعي، او البشري، ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا.

انتشار ثقافة التخصص امر شائع، لدى الكثير من المجتمعات البشرية، سواء نتيجة الخشية من التداعيات السلبية المترتبة، على تداخل الجهال في تخصصات العلماء، او جراء الخوف من العقوبات المفروضة، على ارتكاب الكذب العلمي، فالأنظمة المنصوص عليها في مختلف أنحاء العالم، تنص على معاقبة منتحلي العلم، وحملة الشهادات العلمية المزيفة، نظرا لما يمثله انتشار مثل هذه المخالفات، من اثار مدمرة على مختلف العلوم.

مشكلة البعض يتحرك لانتحال صفة العلم من حالة غرور، وامتلاك بعض المعلومات، مما يجعله يمارس أدوارا تتجاوز القدرات العقلية، او الإمكانيات العلمية، مما يخلق مشاكل كبرى، نظرا لاستمراره في تقمص دور العالم، فهناك من الشواهد على مر التاريخ، ما يدعو للتوقف عندها كثيرا، خصوصا وان ارتداء ثوب العلم يجلب على صاحبه، الكثير من المكاسب، والوجاهة العلمية، مما يدفع الجهال للانتساب للعلم، للحصول على بعض المكاسب العلمية، ”كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه“.

عملية التطفل في التخصصات العلمية، كما انها ديدن الجهال، فإنها لعبة أنصاف العلماء، حيث يسعى بعض الفاشلين لتغطية ضحالة الدرجة العلمية، ممارسة بعض الطرق الملتوية، من اجل لفت الأنظار، فتارة بواسطة التشويش على العلماء، ومحاولة الدخول في صراعات وهمية، او إطلاق آراء صادمة، ليست مدعومة بأسس علمية ثابتة، وتارة أخرى عبر اجترار آراء الاخرين، ومحاولة إضفاء بعض التحسينات، والادعاء بأنها من بنات أفكارهم، الامر الذي يمثل سطوا او سرقة واضحة، ﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

ان احترام التخصص، يدخل ضمن الاخلاقيات الإنسانية النبيلة، فالمرء الذي يفتقر للسلوكيات الفاضلة، ولا يجد حرجا في ارتكاب مختلف الوسائل والطرق، في سبيل اكتساب درجة علمية زائفة، سواء من اجل إرضاء الذات، او لتغطية الفشل في الوصول لمستوى علمي متقدم، ”من تدخل فيما لا يعنيه لقى ما لا يرضيه“، بمعنى اخر، فان مصيبة المصائب تكمن في تصدر المشهد بعض العناصر، لا تمتلك من العلم سوى بعض المفردات، التي تجلب الويلات على المسيرة العلمية، ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، و﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.

كاتب صحفي