آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الانفتاح على العالم ثقافة وطن

محمد الحرز * صحيفة اليوم

ثمة فرق بين صناعة الثقافة باعتبارها ثقافة وطنية ترعاها وتنتجها مؤسسات الدولة وبين الثقافة باعتبارها العنوان الكبير لهوية المجتمع، والتي تتمثل في جملة العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والقيم المرتبطة بسلوكها ونظرتها للحياة بشكل عام. التمييز بينهما ضرورة تتطلبها المرحلة الراهنة التي تعيشها المملكة في ظل التحول في رؤية 2030. وذلك لأسباب من أهمها:

أولا: صناعة الثقافة هي نوع ما انخراط في ثقافة العالم الذي نحياه، وهذا معناه بالدرجة الأولى الانفتاح على العالم بكل ما تعني الكلمة من معنى. قد يتساءل البعض وقد يرتاب في نفس الوقت عن معنى الانفتاح الذي نشير إليه، حيث دائما الإشكالية في الأذهان تتعلق بالتعارض التام بين الانفتاح على ثقافة العالم وبين عادات المجتمع وتقاليده، بين متطلبات الحياة المعاصرة وبين متطلبات العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي والروحي. لكن ما لا يمكن إغفاله في هذا الجانب هو امتناع إقامة أي مشروع نهضوي وطني في البلد دون أن يكون طرفاه الرئيسيان هما المجتمع والدولة معا.

ثانيا: هذان الطرفان بوصف الواحد منهما مكملا للآخر ومستندا عليه تأتي تجربة النهوض بالبلد مصبوغة بخصوصية ثقافة المجتمع وتاريخه وموروثه وفي نفس الوقت تكون مستوعبة في مجالها كل ثقافة معولمة لا تتعارض بالمطلق مع ثقافة المجتمع بل تغنيه وتوسع من آفاقه، والأمثلة على هذا الاندماج بين الثقافتين متعددة وكثيرة، فالتجربة اليابانية والتجربة التركية خير مثال على الأخذ بأسباب النهوض دون إلغاء خصوصية الموروث.

ثالثا: هناك الكثير من الباحثين والمفكرين الذين لم يستوعبوا فكرة التكامل بين الثقافتين، بل جعلوا التعارض هو المعيار الذي يقاس عليه كل نهوض أو تأخر، وجعلوا من عملية الانفتاح على الآخر شبهة كبرى جندوا لها كل طاقاتهم للحؤول دون التفاعل مع العالم. وهنا نتساءل هل تربية الذوق العام تتعارض مع ثقافة السينما؟ هل الذوق العام يتعارض مع ثقافة الموسيقى؟ هل الذوق العام يتعارض مع ثقافة الاحتفالات العامة الشعبية منها والرسمية؟

في ظني لا شيء يتعارض مع هذه التربية على اعتبار أن هذه التربية روح المجتمع والمنبع الذي يزود قيمه التي يحيا بها. لكن من جهة أخرى هناك توجسات تضع أحمالها على التربية التعليمية، وهي الأكثر خطورة كما يرى أصحابها، فكل ثقافة فلسفية تحاول أن تقترب من النظام التعليمي للمجتمع تعتبر بالنسبة لهؤلاء خطرا على العقول وعلى عادات المجتمع وتقاليده ينبغي التصدي له ووقفه. هذا نوع من الوهم الذي لا يوجد سوى في أذهان أصحابه فقط. الخوف الأكبر على النشء هو أننا لا نفتح لهم دروب المغامرة واكتشاف ما يجري في العالم من تطور علمي وفلسفي واجتماعي، وهذا ما يتكامل مع الانفتاح على الفن بأشكاله كلها.