آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

”نيوم“ حاضرة القطاع الخاص الحالمة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

كان عرض سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران، لمشروع ”نيوم“ مختلفاً؛ فقد قال أنه حلم، وأكد أنه من السهل أن نحلم، ولكن الأمر الصعب هو أن نجعل أحلامنا حقائق تتجسد واقعاً وتؤثر في مجريات الأمور وتمكنا من استجلاب الاستثمارات والتقنيات والمستثمرين. كان الأمير مُصراً على أن مشروع ”نيوم“ استثماري، لكنه ليس للمستثمرين التقليديين بل للمستثمرين الحالمين.

وفي حلقة النقاش التي شارك فيها سموه بالأمس ضمن فعاليات مؤتمر ”مبادرة مستقبل الاستثمار“، تحدث السيد سون، رئيس ”سوفت بنك“ بحماس عن مشروع نيوم، وأنه سيجلب تقنيات صناعية لتحول رمال صحاري ”نيوم“ إلى شرائح الطاقة الشمسية، وهذا منطقي فالرمل هنا ومنه تستخرج السليكا، هذا هو المورد الطبيعي، وستأتي الشركات مالكة التقنيات لتحويل ”الذهب الرملي“ إلى رقائق عالية القيمة. منطقياً، ليس ثمة فرق يذكر بين حرق النفط وقوداً أو تصديره خاماً منخفض القيمة أو تصديره مشتقات متوسطة القيمة أو تصديره بتروكيماويات متخصصة عالية القيمة، وبين استخدام الرمل خاماً كمادة للبناء أو تصديره خاماً ولاسيما النوعيات النقية منه.

فكرة السيد ”سون“ أن نصنع من الرمل مواداً متقدمة. وهذا ليس مطلبٌ جديدٌ، فمن القطاعات التي حظيت بالكثير من الاهتمام ولا تزال هو قطاع ”المواد المتقدمة“ «advanced materials». مما يبرر الاستطراد بالقول إن بوسعنا أن نحلم لجعل ”نيوم“ هي أحد المرتكزات العالمية لصناعات المواد المتقدمة.

والحديث عن ”نيوم“ يطول، فاقتصادياً تقوم حاضرة ”نيوم“ على تسعة قطاعات اقتصادية، ترتكز إلى أنشطة الاقتصاد الجديد القائم على أنشطة غير تقليدية، بمعنى أنها أنشطة تتراوح بين توليد قيمة مضافة من خلال المعرفة والابتكار، أو ما يمكن إجماله في مسمى عريض هو ”ألصناعات المعرفية“، وبين أنشطة خدمية مثل قطاع الترفيه والسياحة.

ورغم تفرد المشروع الحُلم، كونه يتمركز في ثلاث دول عربية، ليستفيد من موقع جغرافي ومناخي متفرد، ومن وضع تنظيمي يقوم على مبادرة القطاع الخاص الخالصة، بمعنى أنه ”نيوم“ ستكون أقرب ما يمكن إلى ”المناطق الاقتصادية الخاصة“ المنتشرة في العديد من دول العالم، لاسيما الصين والهند، إلا أن مسوغاتها تقوم على تماهي مع منطلقات وأهداف ”الرؤية السعودية 2030“ من حيث استغلال الموقع المتميز، والاعتداد بالبعد العربي والإسلامي، وتوظيف قوة الاستثمار، فضلاً عن توجه حاضرة ”نيوم“ تسعى لتنويع الاقتصاد السعودي في قطاعات هي ضامرة حالياً، ولاسيما تلك التي تقوم على البحث والتطوير.

وختاماً، هل ”نيوم“ هو مجرد حلم؟ وهل من مؤشر من سيرتنا الاقتصادية بتحقيق أحلامنا الكبيرة؟ قبل ثمانية عقودٍ ونيف حَلِمَ ملكنا المؤسس بأن صحاري الشرق تختزن نفطاً، عرض حلمه على البريطانيين ليستثمروا في تحقيق الحلم فأبوا، ووافق الأمريكان، عندئذ كانت حاضرة الدمام شبة غير مأهولة، وها هي الآن ملء السمع والبصر تتكون من ثلاث مدنٍ جديدة هي الدمام والظهران والخبر وتوابعها. وحققنا حلمنا في بناء صناعة البتروكيماويات السلعية تحتضنها مدينتين صناعتين جديدتين في الجبيل وينبع.

واليوم استعرض سمو ولي العهد حلماً على معطيات المزايا النسبية في شمال البلاد هذه المرة. لكن السؤال المكمل: إلى أي مدى استجاب المستثمرون العالميون لجلب أموالهم إلينا؟ تقدر حالياً الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بنحو 900 مليار ريال، وتسعى السعودية لتنميته بوتائر متعاظمة بحلول 2030، ويبدو أن ”تنوم“ تأخذ دورها لتصبح منصة رئيسية لتحقيق ذلك.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى