آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

”نيوم“: 8 نقاط اقتصادية وسؤال للحالمين!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

كنت قد سألت في هذا الحيز، في اليوم الأول لانعقاده ”كيف سنجلب تدفقات استثمار أجنبي قدرها لا يقل عن 140 ريال سنوياً؟“ طرحت السؤال، ولم تكن تتبدى لي الإجابة آنئذ. أما ما عايشناه الأسبوع الماضي لم يكن مجرد مؤتمر لاستعراض ”مبادرة مستقبل الاستثمار“، بل منصة لإطلاق مبادرات من العيار الثقيل في مسعى لتحقيق ”رؤية السعودية 2030“. ما يجعل من المبرر الجزم أن كل ما دار في المؤتمر كان مرسوماً ضمن إطارٍ لا يتجاوز الرؤية قيد أنملة، وهذا يجدد تأكيد الإصرار لتنفيذ الرؤية. لكن ما حدث تجاوز ذلك لآفاق أرحب.

كما نعلم، يعمل صندوق الاستثمارات العامة لتحقيق أحد برامج الرؤية، ولذا فقط نظم مؤتمراً عالمياً بحق، تتوالى فيه الجلسات والمتحدثين بزخم من الصباح الباكر عند السابعة والنصف وتنتهي بعد المغرب، وإن اخترت أية جلسة تشاء، فستجد أن أساطين التخصص سبقوك إلى هناك، وأن متحدثين عالميين ممن ”انغمست أيديهم ولا تزال بالممارسة“ قد احتلوا المنصة.

ولنذهب مباشرة لصلب الموضوع، إلى مشاركة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جلسة المؤتمر عقب ظهر اليوم الأول من انعقاده. إذ يمكن بيان إن مشاركة سمو ولي العهد حملت جملة مبادرات، أتناول فيما يلي جوانباً للاقتصادي منها طلباً للتحديد:

1. تأكيد الالتزام بتعاليم الإسلام السمحة كنهج وتوجه، بما يعني ذلك من انفتاح على العالم وتقبل للآخر.

2. الإصرار على تنفيذ الرؤية 2030 التي أعلن عنها العام الماضي، وأنها خارطة الطريق التي ستتبع.

3. توجه واضح وجري وبلا تردد لاستخراج القوة الاستثمارية الكامنة في جوف الاقتصاد السعودي، من خلال استظهار ”المزايا النسبية“ التي لم تستغل ولم ينظر لها من قبل؛ ودلالة على ذلك اختيار جزء عزيز من أرض المملكة العربية السعودية، لكنه نائي وخالي تقريباً من أي تنمية، ليكون مرتكزاً، بل رأس حربة لتحقيق تنويع الاقتصاد الوطني «نيوم».

4. استخراج قوة الاستثمار - أحد مرتكزات ”الرؤية السعودية 2030“ - عملياً عبر استقطاب كبار المستثمرين العالميين للرياض وتوقيع التفاهمات معهم، واعلانهم من على منصة مؤتمر ”مبادرة مستقبل الاستثمار عن توجههم للاستثمارات في السعودية، ومنهم من تحدث تحديداً عن الاستثمار في“ مشروع نيوم ”بدون أية مواربة، فقد ذكر السيد دميترييف في تصريحات من الرياض نقلتها وكالة الأنباء الروسية، وهو رئيس جهاز روسيا للاستثمار المباشر، عزم الصندوق استثمار 7 مليارات دولار في“ مشروع نيوم".

وأضاف السيد دميترييف أنه يخطط لجذب الشركات الروسية الرائدة العاملة في مجالات الطاقة الشمسية، والصحة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والنقل فائق السرعة، وبناء البنية التحتية للموانئ.

5. تأكيد التوجه نحو شباب الوطن باعتباره ينبوع قوته وعنفوانه ومستودع مستقبله، وأن هدف الرؤية الذهاب للمستقبل.

6. الإعلان عن المشروع الحُلم، مشروع نيوم، باعتباره مشروع للحالمين لكن المصرين على تخطي تحدي الوقت لتحقيق حلمهم.

7. بيان أن التنمية الاجتماعية وتوليد القيمة الاقتصادية لن ينحصر في مناطق معدودة من مناطق المملكة، فكما أن منطقة تبوك ستحتضن مشروع البحر الأحمر ونيوم، فبقية مناطق الأخرى ستحظى بمشروع واحد من الوزن الثقيل، على أقل تقدير.

8. الإعلان في ذات الوقت واللحظة عن تعيين رئيس لتنفيذ مشروع نيوم، بما يبين أن فترة الحُلم اكتملت وبدأت بالفعل مرحلة تنفيذ الحُلم. وأننا أمام تحدي لابد أن نتجاوزه وهو تحدي الوقت، أي تنفيذ المشروع في أقل عدد ممكن من السنوات، مع الأخذ بالاعتبار أن مشروع نيوم سيأخذ سنوات.

سأكتفي بهذه النقاط الثمان لأقول أن تنفيذ الحلم سيبدأ حالاً. إذ يبدو أن شغف الأمير الشاب للمشروع قد انتقل ليس فقط للسيد مسايوشي سون رئيس سوفت بنك الذي تحدث مطولاً عن توظيف تقنيات الروبوت والذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء لصالح مشروع نيوم، إذ أن رئيس جهاز روسيا للاستثمار المباشر، الذي أوضح أن الاستثمارات الروسية في ”مشروع نيوم“ لن تنحصر في المجالات آنفة الذكر وحسب، بل تعدتها - حسب تعبيره - لتطال قطاع الزراعة من خلال جعل ”نيوم“ مركزاً لتصدير المنتجات الزراعية الروسية إلى الشرق الأوسط.

أقول: في هذه النقطة التفصيلية الاستطرادية، أن تعزيزاً مهماً للأمن الغذائي للمملكة يتحقق، فقد سبق أن اتجه التفكير لشراء أراضي في الخارج وجلب محاصيلها للأراضي السعودية، وها نحن أمام وضع جديد صنعه مشروع نيوم، بأن أعلن الروس جلب محاصيلهم إلى الأراضي السعودية لتصبح نقطة توزيع لها في الشرق الأوسط. تجدر الإشارة الى أن روسيا هي أهم منتجي القمح في العالم، بحصة 12 بالمائة. وانطلاقاً من هذه النقطة التفصيلية الاستطرادية، أطلق العنان لخيالك ما الذي يمكن أن تفعله أنت لتحقيق ”مشروع نيوم“؟ وأستدرك بالقول: إن لم تكن من الحالمين فالسؤال ليس موجهاً لك؟!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى