آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ثقافة المبادرة

محمد أحمد التاروتي *

تشكل المبادرة العلامة الفارقة، بين الانسان المسؤول، ونظيره الاتكالية، فالأول يتحرك من قناعة ذاتية، بضرورة القيام بالدور المطلوب، دون انتظار الشكر والحمد من الاخرين، ﴿لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، فالعملية تعتبر جزء اساسيا من مسؤولية، المرء تجاه البيئة الاجتماعية، التي يعيشها فيها، مما يحتم حمل رأية تصحيح الأوضاع، او المساهمة في انتشال المجتمع، من حالة صعبة لأخرى اكثر راحة، لاسيما وان السكوت، او عدم التحرك في الوقت المناسب، يحدث فجوة عميقة، يصعب ردمها بسهولة.

بخلاف المرء الاتكالي، يكون غالبا في الخانة السالبة، او صفرا على الشمال، فهو لا يحرك ساكنا في أوقات الرخاء او الشدة، اذ يعتبر التحرك نوعا من التدخل، فيما لا يعنيه، مما يدفعه لرفض جميع الدعوات الساعية، لتكريس المبادرة في إطلاق اليد لمد يد العون، الامر الذي يفسر بروز شخصيات اجتماعية في المجتمع، وغياب شخصيات اخرى، بحيث لا تعرف اسماء الشخصيات السلبية، او الاتكالية، الا وقت الوفاة، نظرا لعدم تقديم اعمال، تشفع لها لحفر أسمائها، في ذاكرة المجتمع.

المبادرة حركة إيجابية، بعيدا عن حجمها في المجتمع، فكل حركة إيجابية تعكس الثقافة، التي يحملها صاحبها، اذ لا يمكن تصور خروج اعمال جليلة، من نفس انانية او شخصية سلبية، لاسيما وان العمل يكشف عن معدن الانسان الصافي، مما ينعكس على صورة تقدير، واحترام من الاخرين، نظرا لما تمثله تلك المبادرات من استمرار للعطاء، وديمومة الحركة الاجتماعية الصالحة.

امتلاك ثقافة المبادرة، ليس مرتبطا بنوعية الفكر، الذي يتغذى علية في المجتمع، اذ يمكن ان تكون البيئة الاجتماعية، احد العوامل المحركة لتكريس روح المبادرة، لدى الأفراد، بيد ان القابلية التي يمتلك البعض، تشكل العنصر الأساس وراء بروز هذه الثقافة، فالإحساس بحجم المسؤولية تجاه المجتمع، تولد طاقة داخلية تنعكس على شكل اعمال، تعود بالفائدة على الجميع، فهذه النوعية من الشرائح الاجتماعية، تشعر بالسعادة بمجرد تقديم المساعدة للآخرين، مما يحفز على الاستمرار في ميدان العطاء المتواصل، وإطلاق المبادرات على اختلافها، لاسيما وان الخدمات ليست مقصورة في جانب محدد، وإنما باب الاعمال واسع، وقادر على استيعاب الجميع.

لا ريب ان الاسرة تشكل ارضا خصبة، لنمو بذرة المبادرة، والتحرك باتجاه خدمة المجتمع، فالأسرة تمتلك القدرة على توجيه الأبناء، باتجاه اعمال الخير، وتكريس مبدأ المسؤولية في النفس، مما ينعكس على صورة المشاركة الفاعلة، في مختلف المبادرات التي تطلق في المجتمع، خصوصا في حال وجد الأبناء التشجيع، والتحفيز من العائلة، باتجاه الانخراط في تلك الاعمال، بينما يشعر بعض الأبناء بحالة من النفور، وعدم الانسجام، تجاه بعض المبادرات الاجتماعية الايجابية، نتيجة لغياب التحفيز الاسري، والدعوة لرفض الاستجابة، لمختلف الاعمال الجليلة سواء داخل المدرسة، او في المحيط الاجتماعي.

ان المبادرة تمثل محركا رئيسيا، في التجدد الدائم للمجتمع، بخلاف المجتمعات التي تفتقر لروح المبادرات، فانها تعيش حالة من ”الموت“، الامر الذي يفسر الاختلاف، بين المجتمعات البشرية على مر العصور.

كاتب صحفي